الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            الركن الرابع : الصيغة ، وفصل بينه وبين الثالث بما في هذا الفصل والذي قبله ; لأن لهما مناسبة بما ذكره قبلهما من الإجازة في الوصية للوارث ، ومن كون الموصى به قد يبلغ الثلث وقد لا وقد يكون في المرض لفظ وقد لا ، وذيل بهما ليتفرغ الذهن للرابع لصعوبته وطول الكلام فقال ( وصيغتها ) أي الوصية ما أشعر بها من لفظ أو نحوه ككتابة مع نية كما سيأتي ، وإشارة أخرس ، فمن الصريح ( أوصيت ) فما أفهمه تعريف الجزأين من الحصر غير مراد ( له بكذا ) ولو لم يقل بعد موتي لوضعها شرعا لذلك ( أو ادفعوا إليه ) كذا ( أو أعطوه ) كذا وإن لم يقل من مالي أو وهبته أو حبوته أو ملكته كذا أو تصدقت عليه بكذا ( بعد موتي ) أو نحوه الآتي راجع لما بعد أوصيت ، ولم يبال بإيهام رجوعه له نظرا لما عرف من سياقه أن أوصيت وما اشتق منه موضوعة لذلك ( أو جعلته له ) بعد موتي ( أو هو له بعد موتي ) أو بعد عيني أو إن قضى الله علي وأراد الموت وإلا فهما لغو ، وذلك ; لأن إضافة كل منهما للموت صيرتها بمعنى الوصية ، وكأن حكمة تكريره بعد موتي اختلاف ما في السياقين ، إذ الأول محض أمر .

                                                                                                                            والثاني لفظه لفظ الخبر ، ومعناه الإنشاء ، وزعم أنها لو تأخرت لم تعد للكل ; لأن العطف بأو ضعيف كما مر في الوقت ( فلو اقتصر على ) نحو وهبته له فهو هبة ناجزة ، أو على نحو ادفعوا إليه كذا من مالي فتوكيل يرتفع بنحو موته وفي هذه وما قبلها لا يكون كناية وصية [ ص: 65 ] أو على جعلته له احتمل الوصية والهبة ، فإن علمت نيته لأحدهما وإلا بطل ، أو على ثلث مالي للفقراء لم يكن إقرارا بل كناية وصية على الراجح أو على ( هو له فإقرار ) ; لأنه من صرائحه ووجد نفاذا في موضوعه فلا يجعل كناية وصية ، وكذا لو اقتصر على قوله هو صدقة أو وقف على كذا فينجز من حينئذ وإن وقع جوابا ممن قيل له أوص ; لأن مثل ذلك لا يفيد ( إلا أن يقول هو له من مالي فيكون وصية ) أي كناية عنها لاحتماله لها وللهبة الناجزة فافتقر للنية ، وبه يرد ما رجحه السبكي أنه صريح ، وعلى الأول لو مات ولم تعلم نيته بطل ; لأن الأصل عدمها ، والإقرار هنا غير متأت لأجل قوله مالي نظير ما يأتي ( وتنعقد بكناية ) وهي ما احتمل الوصية وغيرها كقوله عينت له هذا أو عبدي هذا له كالبيع بل أولى ( والكتابة ) بالتاء ( كناية ) فتنعقد بها مع النية ولو من ناطق ، ولا بد من الاعتراف بها نطقا منه أو من وارثه وإن قال هذا خطي أو ما فيه وصيتي .

                                                                                                                            ولا يسوغ للشاهد التحمل حتى يقرأ عليه الكتاب أو يقول أنا عالم بما فيه وقد أوصيت به ، وإشارة من اعتقل لسانه يجري فيها تفصيل الأخرس فيما يظهر ، ومر أن كتابته لا بد فيها من نية وأنه يكفي الإعلام بها بإشارة أو كتابة ، ولو قال من ادعى علي شيئا أو أنه وفى مالي عنده فصدقوه من غير حجة ، والأوجه أنه وصية ; لأنه لا يسمح له بشيء وإنما قنع منه بحجة بدل حجته أو ما في جريدتي قبضته كله فهو إقرار بالنسبة لما علم أنه فيها وقته

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : وفصل بينه وبين الثالث ) هو ما ذكره المصنف قبل بقوله وتصح بالحمل ويشترط إلخ ( قوله : وقد يكون في المرض لفظ ) أي ثم إن كان الإشعار بها قويا فصريحة وإلا فكناية ( قوله : وإشارة أخرس ) خرج به إشارة الناطق فلغو وظاهره وإن كانت جوابا لمن قال له أوصيت بكذا فأشار : أي نعم ( قوله : فما أفهمه تعريف الجزأين ) هما صيغتها وأوصيت ، وتعريف الأول بالإضافة والثاني بالعلمية ; لأن الكلمة إذا أريد بها لفظها صارت علما على ما هو مقرر في محله ( قوله : أو نحوه الآتي ) من قوله أو بعد عيني إلخ ، وقوله راجع : أي قوله بعد موتي ( قوله : بإيهام رجوعه له ) أي بقوله أوصيت ، وقوله موضوعة لذلك : أي للتمليك بعد الموت ( قوله : وإلا ) أي وإن لم يضم إلى قوله جعلته له أو هو له ، وقوله فهما لغو : أي قوله جعلته له وهو له ، وقوله ; لأن إضافة كل منها : أي من قوله أعطوه كذا وما بعده ( قوله : إذ الأول محض أمر ) وعليه فلو أخر قوله وهبته وحبوته وملكته وتصدقت عليه على قوله وجعلته له كان أقيس ( قوله : وفي هذه ) أي قوله ادفعوا إليه ، وقوله وما قبلها هي قوله نحو وهبته له ، وقوله لا تكون كناية وصية : أي لما يأتي في قوله ; لأنه [ ص: 65 ] من صرائحه إلخ ، وقوله فإن علمت نيته ينبغي أن من صور العلم ما لو أخبر الوارث بأنه نوى حيث كان الوارث رشيدا .

                                                                                                                            أما غيره كالصبي فإخباره لغو ، لكن لو أخبر ولي الطفل بأن مورثه نوى هل يقبل ذلك منه أو لا ؟ فيه نظر ، والأقرب عدم القبول لما فيه من التفويت على الطفل ( قوله : هو صدقة ) هذا علم من قوله السابق ، فلو اقتصر على نحو وهبته إلخ لكنه ذكره توطئة لقوله وإن وقع جوابا إلخ ( قوله : ; لأن مثل ذلك ) أي وقوعه جوابا ( قوله : لا يفيد ) أي في صرفه عن كونه صدقة أو وقفا ( قوله : كالبيع ) أي في انعقادها هنا بالكناية ، وهل يكتفى في النية باقترانها بجزء من اللفظ أو لا بد من اقترانها بجميع اللفظ كما في البيع ؟ فيه نظر ، والأقرب الأول .

                                                                                                                            ويفرق بينهما بأن البيع لما كان في مقابلة عوض احتيط له بخلاف ما هنا ( قوله : ولا بد من الاعتراف بها ) أي النية ( قوله : أو من وارثه ) قضيته عدم قبولها ولو من ولي الوارث ، وهو موافق لما قدمناه من أنه الأقرب ( قوله : وإن قال ) غاية ، وقوله هذا خطي إلى آخر ما ذكره ظاهر فيما لو قال هذا خطي ، إذ لا يلزم من مجرد كتابته نية الوصية .

                                                                                                                            أما قوله هذا ما فيه وصيتي فقد يشكل بأن ما فيها لا يكون وصية إلا إذا نوى ، إلا أن يقال لما كان قوله ما فيه وصيتي محتملا لأن يكون المعنى هذا ما كتبت فيه لفظ الوصية لم يغن ذلك عن الاعتراف بالنية نطقا ; لأن الأصل عدمها ( قوله : ولا يسوغ للشاهد ) أي على الوصية ( قوله : حتى يقرأ عليه ) أي الموصي الكتاب أي ويعترفون بما فيه ( قوله : يجري فيها تفصيل الأخرس إلخ ) أي فإن فهمها كل أحد فصريحة أو الفطن فكناية وإلا فلغو ( قوله ومر أن كتابته ) أي من خرس ( قوله : أو كتابته ) أي ثانية ( قوله : فالأوجه أنه وصية ) فإن قال في الثانية صدقوه بيمينه بلا بينة لم تكن بينة على الأوجه ا هـ حج : أي ويكون من رأس المال ( قوله : وإنما قنع منه ) أي ممن عليه الدين ، وقوله بحجة هي قوله وفيت مثلا بدل حجته أي التي تطلب منه وهي البينة ( قوله : لما علم أنه فيها وقته ) أما ما جهل حاله أو علم أنه حدث بعد فلا يكون إقرارا به .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 62 - 64 ] قوله : لما عرف من سياقه ) انظر ما وجه معرفته من سياقه ( قوله : ضعيف كما مر في الوقف ) وأيضا لو التزمناه لزم [ ص: 65 ] أن يكون كل من اللفظين راجعا إلى ما وليه فقط دون ما قبله ( قوله : حتى يقرأ عليه الكتاب ) انظر هل يكفى الشاهد في أداء الشهادة هنا أن يحكي ما وقع من الموصي وإن لم يعلم المكتوب .




                                                                                                                            الخدمات العلمية