الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ولو قال أنت طالق واحدة ) بالنصب كما بخطه ، وكذا لو حذف طالق كما بحثه الزركشي وكلامهما يدل عليه ( ونوى عددا فواحدة ) تقع فقط دون المنوي لعدم احتمال اللفظ له ( وقيل ) يقع ( المنوي ) كله ولو مع النصب فالجر والرفع والسكون أولى ، ومعنى واحدة متوحدة بالعدد المنوي وهذا هو المعتمد في أصل الروضة ، نعم إن أراد طلقة ملفقة من أجزاء ثلاث وقعن عليهما ( قلت : ولو قال ) أنت طالق واحدة أو ( أنت واحدة ) بالرفع أو الجر أو السكون ( ونوى ) بعد نيته الإيقاع في أنت واحدة لما مر من أنها كناية ( عددا فالمنوي ) يقع حملا للتوحيد على التوحد والتفرد عن الزوج بالعدد المنوي ( وقيل ) تقع ( واحدة ، والله أعلم ) لأن اللفظ الواحد لا يحتمل العدد ، ولو قال ثنتين ونوى ثلاثا ففي التوشيح يظهر مجيء الخلاف فيه هل يقع ما نواه أو ثنتان ا هـ وفيه بعد لأن الواحدة قد مر إمكان تأويلها بالتوحيد ، ولا يظهر تأويل الثنتين بما يصدق بالثلاث نعم يمكن توجيهه بأنه يصح إرادة الأجزاء فالأصح ما في التوشيح .

                                                                                                                            ولو قال يا مائة أو أنت مائة طالق وقع الثلاث لتضمن ذلك اتصافها بإيقاع الثلاث ، بخلاف أنت كمائة طالق لا يقع إلا واحدة كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى حملا للتشبيه على أصل الطلاق دون العدد لأنه المتيقن ، وإنما سووا بين أنت طالق واحدة ألف مرة [ ص: 457 ] وكألف مرة لأن ذكر الواحدة يمنع لحوق العدد ولم نحمل ما هنا على أن المراد بها التوحد حتى لا ينافيها ما بعدها ، لأنه خلاف المتبادر من لفظها ، وحملنا عليه ما مر لاقتران نية الثلاث به المخرجة له عن مدلوله ، ولو قال طلاق أنت يا داهية ثلاثين ونوى واحدة وقعت فقط كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى ، إذ قوله ثلاثين متعلق بداهية كما هو ظاهر سياق الكلام ، وعلى تقدير تعلقه بالمصدر فقد يريد ثلاثين أجزاء طلقة .

                                                                                                                            والأصل عدم وقوع ما زاد عليها ، ولو قال عدد التراب فواحدة كما أفتى به أيضا لأنه اسم جنس إفرادي ، أو عدد الرمل فثلاث لأنه اسم جنس جمعي ، وقول ابن العماد : وكذا التراب لأنه سمع ترابه ولذا ذهب جمع إلى وقوع الثلاث فيه يرد بعدم اشتهار ذلك فيه ، أو عدد شعر إبليس فواحدة على المختار وليس تعليقا على صفة فيقال شككنا في وجودها بل هو تنجيز طلاق ، وربط العدد بشيء شككنا فيه فنوقع أصل الطلاق ونلغي العدد ، فإن الواحدة ليست بعدد ، وصوب ذلك الزركشي ونقله عن غير واحد أو بعدد ضراطه وقع ثلاث ، وفي الكافي لو قال بعدد سمك هذا الحوض ولم يعلم فيه سمك وقعت واحدة ، كما في أنت طالق وزن درهم أو ألف درهم ولم ينو عددا ، ولو قال بعدد شعر فلان وكان مات من مدة وشك أكان له شعر في حياته أو لا اتجه وقوع ثلاث لاستحالة خلو الإنسان عادة من ثلاث شعرات ، أو أنت طالق كلما حللت حرمت فواحدة ، أو عدد ما لاح بارق أو عدد ما مشى الكلب حافيا أو عدد ما حرك ذنبه وليس هناك برق ولا كلب طلقت ثلاثا كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى ، أو أنت طالق ألوانا من الطلاق ولا نية له فواحدة ، بخلاف أنواعا أو أجناسا منه أو أصنافا كما استظهره الشيخ رحمه الله تعالى ، ولو سألته ثلاثا فأجابها بالطلاق ولا نية له فواحدة ، وإنما نزلنا الجواب على السؤال في طلقي نفسك [ ص: 458 ] ثلاثا فقالت طلقت ولا نية لها ، وأوقعنا الثلاث لأن السائل في تلك مالك للطلاق بخلافه في هذه ، ولو طلقها رجعيا ثم قال جعلتها ثلاثا لم يقع به شيء ، أو أنت طالق ملء الدنيا أو مثل الجبل أو أعظم الطلاق أو أكبره بالموحدة أو أطوله أو أعرضه أو أشده أو ملء السماء أو الأرض فواحدة ، أو أقل من طلقتين وأكثر من طلقة فثنتان كما صوبه الإسنوي ، ولو خاصمته زوجته فأخذ عصا بيده وقال هي طالق ثلاثا مريدا العصا وقعن ، ولا يدين كما في الجواهر فيما لو قال أنت طالق وأراد مخاطبة أصبعه ، لكن أفتى الوالد رحمه الله تعالى فيمن تشاجر مع زوجته في أمر فعله فأطلق كفه وقال إن كنت فعلته فأنت طالق مخاطبا كفه بأنه يقع عليه الطلاق ظاهرا ويدين كما لو قال حفصة طالق وقال أردت أجنبية اسمها ذلك بل الضمير أعرف من الاسم العلم ا هـ .

                                                                                                                            وجرى على عدم التديين في شرح الروض في مسألة ما لو أشار بأصبعه وقال أردت الأصبع ، و لا ينافيه ما في الروضة فيمن له زوجتان فقال مشيرا إلى إحداهما امرأتي طالق وقال أردت الأخرى من طلاق الأخرى وحدها لأنه لم يخرج هنا الطلاق عن موضوعه بخلافه ثم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : يدل عليه ) أي على حذف طالق ( قوله وقيل يقع ) معتمد ( قوله : وقعن عليهما ) أي القولين ( قوله : بعد نيته ) أي أو معه ( قوله : هل يقع ما نواه ) معتمد ( قوله وفيه بعد ) أي في التردد بل القياس الجزم بوقوع الثنتين ( قوله : بالتوحيد ) الأولى بالتوحد ( قوله : نعم يمكن توجيهه ) أي وقوع الثلاث ( قوله فالأصح ما في التوشيح ) أي وهو حمله على إرادة الأجزاء وإن لم يقصدها بمعنى أنه حيث نوى الثلاث يقعن لأن له محملا صحيحا يصح إرادته فيحمل اللفظ عليه وإن لم يقصده ( قوله : وإنما سووا ) أي في وقوع واحدة [ ص: 457 ] قوله : يمنع لحوق العدد ) ظاهره وإن نوى العدد والظاهر خلافه ( قوله وحملنا عليه ) أي التوحد ، وقوله ما مر أي في قول المصنف ولو قال أنت واحدة ونوى عددا إلخ ( قوله : ونوى واحدة ) مفهومه أنه إذا أطلق وقع عليه الثلاث ، وقياس ما يأتي فيما لو قال أنت طالق ثلاثا يا طالق إن شاء الله من وقوع واحدة لأنها المحققة وعود المشيئة إلى ثلاثا أن يقع هنا واحدة عند الإطلاق لأنها المحققة فيجعل قوله ثلاثين متصلا بيا داهية ( قوله : كما هو ظاهر سياق الكلام ) أي ولا يشكل عليه ما قدمنا من وقوع واحدة فيما لو قال أنت طالق إن دخلت الدار ثلاثا ، لأن وصل ثلاثا بدخلت ظاهر في أن التقدير إن دخلت ثلاثا فعمل بظاهر اللفظ في كل من المسألتين ( قوله : ولم يعلم فيه سمك ) أي سواء اختبر ذلك بالبحث عن الحوض أم لا ، والظاهر أنه لا يلزمه بحث ولا تفتيش لأن الأصل عدم وقوع ما زاد على الواحدة .

                                                                                                                            ( قوله : كلما حللت حرمت فواحدة ) أي وعليه فلو راجعها هل تطلق ثانيا وثالثا أم لا ؟ فيه نظر ، والذي يظهر أنه إن نوى بقوله كلما حللت حرمت الطلاق ثم راجع مرتين طلقت ثلاثا ، لأنها مادامت في العدة هي محل للطلاق وكلما تقتضي التكرار ، فإن انقضت عدتها من الطلقة الأولى ثم نكحها نكاحا جديدا لم تطلق لأن التعليق سابق على هذا النكاح ، ثم رأيت في حج بعد أدوات التعليق الآتي في فصل إذا قال أنت طالق في شهر كذا ما يؤيده ، وعبارته نصها : ولو قال لموطوءة كما علم بالأولى من كلامه الآتي في كلما خلافا لمن اعترض عليه أنت طالق كلما حللت حرمت وقعت واحدة إلا إن أراد بتكرار الحرمة تكرار الطلاق فيقع ما نواه ا هـ ( قوله : طلقت ثلاثا ) أي في الصور الثلاث ( قوله : أو أصنافا ) أي فإنه يقع ثلاث في الصور الثلاث ( قوله : فأجابها بالطلاق ) [ ص: 458 ] أي بأن قال أنت طالق أو طلقت ( قوله : ثم قال جعلتها ) أي الواحدة ( قوله : وقعن ) يتأمل هذا مع ما قدمه بعد قول المصنف لا أنت طلاق إلخ من قوله ومن ثم لو لم يتقدم لها ذكر رجع لنيته في نحو أنت طالق وهي غائبة وهي طالق وهي حاضرة ا هـ .

                                                                                                                            أقول : ويمكن حمل ما مر على الباطن وما هنا على الظاهر ، أو أن المخاصمة هنا قرينة على إرادة المرأة بخلاف ما تقدم ، لأن اللفظ لما لم يقع جوابا لشيء ضعفت فيه إرادة الزوجة فرجع إلى نيته بعد قوله وقعن ، وفي نسخة : ولا يدين كما في الجواهر فيما لو قال أنت طالق وأراد مخاطبة أصبعه ، لكن أفتى الوالد رحمه الله تعالى فيمن تشاجر مع زوجته في أمر آخر ما ذكرنا عن سم .

                                                                                                                            [ فرع ] قال في العباب : فلو قال أنت طالق ملء السموات أو ملء الأرضين فثلاث ا هـ . وكتب سم على حج ما نصه : ولو قال أنت طالق ملء السموات وقعت واحدة فقط كما في الأنوار ، ومثله أنت طالق ملء البيوت الثلاثة فتقع واحدة فقط ، كما وجد بخط شيخنا الشهاب الرملي خلافا لما في العباب من وقوع الثلاث ، ويؤيد ما قاله شيخنا مسألة الأنوار المذكورة م ر ا هـ . وفي حج : وفي قبوله باطنا وجهان أصحهما لا . ذكره القمولي وغيره وكتب عليه سم ما نصه : المعتمد عند شيخنا الشهاب الرملي القبول باطنا ، فقد سئل عن شخص تشاجر هو وزوجته في أمر من الأمور قد فعله فأطبق كفه وقال إن فعلت هذا الأمر فأنت طالق مخاطبا يده فهل يقع عليه الطلاق أو لا ؟ فأجاب بما نصه : يقع الطلاق المذكور ظاهرا ويدين كما لو قال حفصة طالق وقال أردت أجنبية اسمها ذلك ، بل الضمير أعرف من الاسم العلم ا هـ . وجرى عليه في شرح الروض ا هـ سم على حج . وقياس قول سم ويدين التديين في مسألة العصا المذكورة وتتمة النسخة المحكية ، وجرى على عدم التديين في شرح الروض فيما لو أشار بأصبعه وقال أردت الأصبع ، ولا ينافيه ما في الروضة فيمن له زوجتان فقال مشيرا إلى إحداهما [ ص: 459 ] امرأتي طالق وقال أردت الأخرى من طلاق الأخرى وحدها لأنه لم يخرج الطلاق هنا عن موضوعه بخلافه ثم



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 456 ] قوله : نعم يمكن توجيهه إلخ ) لا وجه للتعبير بالاستدراك هنا [ ص: 457 ] قوله : ولم نحمل ما هنا ) أي أنت طالق واحدة ألف مرة ( قوله : كلما حللت حرمت ظاهره وإن قصد بلفظ حرمت الطلاق وكان الطلاق رجعيا وراجع وفيه وقفة ، ثم رأيت حج صرح بالوقوع عند القصد [ ص: 458 ] قوله ولو طلقها رجعيا ثم قال جعلتها ثلاثا ) تقدم هذا في كلامه أوائل الباب ( قوله : وقعن ) قال حج : وفي قبوله باطنا وجهان أصحهما لا . ا هـ .

                                                                                                                            وفي بعض الهوامش عن الشارح أنه يقبل باطنا ، وكذا نقله سم عن قضية فتاوى والد الشارح وعن شرح الروض




                                                                                                                            الخدمات العلمية