الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ولو ) ( أوصى بصاع من صبرة ) معينة ( فخلطها ) هو أو مأذونه ( بأجود منها ) خلطا لا يمكن معه التمييز ( فرجوع ) ; لأنه أحدث بالخلط زيادة لم يرض بتسليمها ولا يمكن بدونها ( أو بمثلها فلا ) قطعا ; لأنه لم يحدث تغيير إذ لا فرق بين المثلين ( وكذا بأردأ في الأصح ) قياسا على تعييب الموصى به أو إتلاف بعضه ( وطحن حنطة ) معينة ( وصى بها ) أو ببعضها ( وبذرها ) ( وعجن دقيق ) وطبخ لحم وشيه وجعله وهو لا يفسد قديدا ( وغزل قطن ) أو جعله حشوا ما لم يتحد الموصى له بالثوب والقطن كما بحثه الأذرعي ويلحق به نظائره بشرط أن لا يزول اسم أحد المعينين بما فعله وجعل خشبة بابا وخبز فتيتا وعجين خبزا ، والفرق بينه وبين تجفيف الرطب لا يخفى إذ يقصد به البقاء ، فهو كخياطة ثوب مقطوع أوصى به ، وكتقديد لحم يفسد ، ويفرق بين هذا وخبز العجين مع أنه يفسد لو تركه بأن التهيئة للأكل في الخبز أغلب وأظهر منها في القديد ( ونسج غزل ) مثلا ( وقطع ثوب قميصا وبناء وغراس في عرصة رجوع ) سواء أكان بفعله أم بفعل مأذونه سواء أسماه باسمه أم قال بهذا أم بما في هذا البيت مثلا لإشعار ذلك كله بالإعراض ، هذا كله في المعين كما تقرر ، فلو أوصى بنحو ثلث ماله ثم تصرف في جميعه ولو بما يزيل الملك أو هلك ماله لم يكن رجوعا ; لأن العبرة بثلث ماله الموجود عند الموت لا الوصية ، ولو اختص نحو الغراس ببعض العرصة اختص الرجوع بمحله .

                                                                                                                            واعلم أن الحاصل في ذلك أن ما أشعر بالإعراض إشعارا قويا يكون رجوعا وإن لم يزل به الاسم حيث كان منه أو من مأذونه ، وما يزول به الاسم يحصل به الرجوع وإن كان بفعل أجنبي من غير إذن بناء على أنهما علتان مستقلتان وهو المعتمد ، [ ص: 97 ] وخرج بالبناء والغراس الزرع وبقطع الثوب لبسه لضعف إشعارهما بذلك ، ومن ثم لو دام بقاء أصوله : أي بالمعنى المار في الأصول والثمار فيما يظهر كان كالغراس ، وتقدم أنه لو أوصى بشيء لزيد ثم لعمرو وشرك بينهما ; لأن الجملة اثنان ونسبة كل إليها النصف فهو على طبق ما يأتي من الشيخين ، وإن وهم فيه بعضهم زاعما أن محل التشريك هنا هو محل الرجوع نظير ما يأتي عن الإسنوي ، فإذا رد أحدهما أخذ الآخر الجميع ، بخلاف ما لو أوصى به لهما ابتداء فرد أحدهما يكون النصف للوارث دون الآخر ; لأنه لم يوجب له سوى النصف نصا ، ولو أوصى بها لواحد ثم بنصفها لآخر كانت أثلاثا ثلثاها للأول وثلثها للثاني ، وما ادعاه الإسنوي من أن هذا غلط وأن الصواب أنها أرباع بناء على أن محل التشريك هو محل الرجوع هو الغلط ; لأن المرعي عندهم في ذلك طريقة العول بأن يقال معنا مال ونصف مال فيضم النصف إلى الكل فتكون الجملة ثلاثة تقسم على النسبة فيكون لصاحب المال ثلثاه ولصاحب النصف الثلث ، وقد ذكرها الشيخان في القسم الثاني في حساب الوصايا ، ويستأنس لهذا من القرآن بأن الله تعالى جعل للابن إذا انفرد جميع المال وللبنت إذا انفردت النصف ، فإذا اجتمعا أخذ الابن قدرها مرتين ، فكذلك قلنا يعطى الموصى له بالجميع الثلثين والموصى له بالنصف الثلث ، هذا هو الصواب والذي في المهمات سهو . وقد يجمع بينهما بأن كلام الإسنوي عند احتمال إرادة الموصي التشريك بينهما ، وكلام الشيخين عند انتفائه كما يرشد إليه تعليل أصل المسألة .

                                                                                                                            ولو أوصى له مرة ثم مرة أتى فيه ما مر في الإقرار من التعدد والاتحاد كما قاله بعضهم ، لكن يرد عليه ما لو أوصى بمائة ثم بخمسين وليس له إلا خمسون لتضمن الثانية الرجوع عن بعض الأولى .

                                                                                                                            ذكره النووي ، وأخذ منه بعضهم أنه لو أوصى بثلثه لزيد ثم بثلثه له ولعمرو تناصفاه وبطلت الأولى ، ولو أوصى لزيد بعين ثم لعمرو بثلث ماله كان لعمرو ربعها ; لأنها من جملة ماله الموصى له بثلثه فهو كما لو أوصى لإنسان بعين ولآخر بثلثها فيكون للآخر ربعها على قياس ما مر عن الشيخين .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : أو بمثلها ) والفرق بين هذه وبين ما لو أوصى بحنطة معينة ثم خلطها حيث جعل رجوعا مطلقا أن الموصى في مسألة الصبرة مخلوط قبل البيع فلم تحدث له صفة زائدة بمجرد خلط الصبرة بغيرها فاعتبر أن يكون الخلط بأجود خاصة لتحصل له صفة مشعرة بالرجوع ، والحنطة المعينة لما كانت متميزة وقت الوصية كان في مجرد خلطها صفة لم تكن موجودة قبل فأثر مطلقا ( قوله : والفرق بينه وبين تجفيف الرطب ) أي حيث لم يكن رجوعا ( قوله سواء أسماه باسمه ) أي حال الوصية به كقوله أوصيت له بهذا الغزل إلخ [ ص: 97 ] قوله : وخرج بالبناء والغراس الزرع ) أي فلا يكون رجوعا ( قوله بالمعنى المار ) أي بأن يجز مرارا ولو في دون سنة وحينئذ فيقوى تشبيهه بالغراس الذي يراد إبقاؤه أبدا ( قوله : فيما يظهر ) صرح به الأذرعي ا هـ روض ( قوله : هو محل الرجوع ) وهو النصف الثاني من العين الموصى بها ( قوله : فيضم النصف ) أي يجعل على إلخ ( قوله : عند احتمال إرادة الموصي ) أي ويرجع في ذلك إليه أو إلى وارثه ( قوله : التشريك بينهما ) أي في النصف الثاني ( قوله : من التعدد ) أي حيث وصفهما بصفتين مختلفتين والاتحاد حيث لم يصفهما كذلك ( قوله كما قاله بعضهم ) أي فإن لم يختلفا جنسا ولا صفة فوصية واحدة وإلا فثنتان ( قوله وليس له ) أي الموصى له ( قوله : إنه لو أوصى بثلثه ) أي ماله مثلا وقوله ثم بثلثه أي ثلث ماله ( قوله : تناصفاه ) أي الثلث ( قوله على قياس ما مر ) وذلك بأن يقال معنا مال [ ص: 98 ] وثلث مال يضم الثلث إلى المال ثم يقسم المجموع فصاحب الثلث له الربع لأنه ربع المال وثلثه إذ مجموعهما أربعة أثلاث .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله بالمعنى المار ) أي بأن كان يجز مرارا ( قوله : ونسبة كل إليها ) أي إلى الجملة ( قوله : طريقة العول ) أي لا طريقة التداعي التي بنى عليها الإسنوي كلامه ( قوله : عند احتمال إرادة الموصي التشريك ) يعني في النصف خاصة ( قوله : لكن يرد عليه ما لو أوصى إلخ ) قد يقال إن هذا الإيراد يرد على البعض ; لأنه إنما جعل الوصية كالإقرار من جهة التعدد والاتحاد خاصة لا في كل الأحكام ، وما أورد عليه من الصورة المذكورة الحكم فيها الاتحاد في البابين ، غاية الأمر أن الوصية تكون بالأقل والإقرار بالعكس فهو بالأكثر فتأمل ( قوله : وبطلت الأولى ) المناسب للمقيس عليه أن يقول وكان رجوعا في بعض الأولى وهو نصف الثلث فتأمل .




                                                                                                                            الخدمات العلمية