وسئل عن السؤدد فقال : الحلم السؤدد وقال أيضا : نحن معشر عبد الله بن عمر قريش نعد الحلم والجود السؤدد ، ونعد العفاف وإصلاح المال المروءة وقال كان أهل الجاهلية لا يسودون إلا من كانت فيه ست خصال وتمامها في الإسلام سابعة : السخاء والنجدة والصبر والحلم والبيان والحسب ، وفي الإسلام زيادة العفاف . ذكر أبو عمرو بن العلاء لعبد الله بن عمر أبو بكر ، وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم فقال كان ومعاوية أسود منهم وكانوا خيرا منه . معاوية
وذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { ابن عبد البر من رزقه الله مالا فبذل معروفه وكف أذاه فذلك السيد } { للأنصار من سيدكم ؟ قالوا [ ص: 216 ] الجد بن قيس على بخل فيه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أي داء أدوأ من البخل ؟ بل سيدكم الجعد الأبيض عمرو بن الجموح } فقال شاعرهم في ذلك : وقال صلى الله عليه وسلم يوما
وقال رسول الله والحق قوله لمن قال منا من تسمون سيدا فقالوا له الجد بن قيس على التي
نبخله فيها وإن كان أسودا فتى ما تخطى خطوة لدنية
ولا مد في يوم إلى سوأة يدا فسود بجوده عمرو بن الجموح
وحق لعمرو بالندى أن يسودا
وقال بعضهم السؤدد بالبخت ، كم من فقير ساد وليس له بذل بالمال إلى غيره كعتبة بن ربيعة وغيره سب الشعبي رجل فقال له : إن كنت كاذبا يغفر الله لك ، وإن كنت صادقا يغفر الله لي وقال : شهدت خالد بن صفوان ورجل يشتمه فقال له : آجرك الله على ما ذكرت من خطأ قال : فما حسدت أحدا حسدي عمرو بن عبيد على هاتين الكلمتين . عمرو بن عبيد
وقال : ما نازعني أحد إلا أخذت في أمره بإحدى ثلاث خصال : إن كان فوقي عرفت له قدره ، وإن كان دوني كرمت نفسي عنه ، وإن كان مثلي تفضلت عليه . الأحنف بن قيس
أخذ هذا المعنى فقال : محمود الوراق
سألزم نفسي الصبر عن كل مذنب وإن كثرت منه علي الجرائم
وما الناس إلا واحد من ثلاثة شريف ومشروف ومثل مقاوم
فأما الذي فوقي فأعرف فضله وألزم فيه الحق والحق لازم
وأما الذي دوني فإن قال صنت عن إجابته عرضي وإن لام لائم
وأما الذي مثلي فإن زل أو هفا تفضلت إن الفضل بالعز حاكم
وقال عبيد بن الأبرص :
إذا أنت لم تعمل برأي ولم تطع أولي الرأي لم تركن إلى أمر مرشد
ولم تجتنب ذم العشيرة كلها وتدفع عنها باللسان وباليد
وتحلم عن جهالها وتحوطها وتقمع عنها نخوة المتهدد [ ص: 217 ]
فلست ولو عللت نفسك بالمنى بذي سؤدد باد ولا قرب سؤدد
وقال آخر :
إذا هلكت أسد العرين ولم يكن لها خلف في الغيل ساد الثعالب
كذا القمر الساري إذا غاب لم يكن له خلف في الجو إلا الكواكب
وقال بعض الحكماء من ابتغى المكارم ، فليجتنب المحارم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس { قال يا رسول الله : أشيء جبلني الله عليه أم شيء اخترعته من نفسي قال بل شيء جبلك الله عليه فقال الحمد لله الذي جبلني على شيء أو على خلق يرضاه الله ورسوله الحلم والأناة } . والحديث صحيح في الصحيحين أو في الصحيح فيك خلتان يحبهما الله ورسوله أو قال يرضاهما الله ورسوله
قال الشعبي زين العلم حلم أهله وقال رجاء بن أبي سلمة الحلم أرفع من العقل لأن الله تعالى تسمى به ، كان الأحنف إذا عجبوا من حلمه قال : إني لأجد ما تجدون ولكني صبور وقال إني لأرفع نفسي أن يكون ذنب أرجح من حلمي . معاوية
وقال ما قرن شيء إلى شيء أحسن من حلم إلى علم ومن عفو إلى قدرة . عمر بن عبد العزيز
وقال : أبو العتاهية
فيا رب هب لي منك حلما فإنني أرى الحلم لم يندم عليه حليم
[ ص: 218 ] ويا رب هب لي منك عزما على التقى أقيم به ما عشت حيث أقيم
ألا إن تقوى الله أكرم نسبة تسامى بها عند الفخار كريم
أرى الحلم في بعض المواطن ذلة وفي بعضها عزا يسود فاعله
وإنك تلقى صاحب الجهل نادما عليه ولا يأسى على الحلم صاحبه
ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا
وقال بعضهم :
ولربما اعتضد الحليم بجاهل لا خير في اليمنى بغير يسار
واعلم أن الحلم بضم الحاء ما يراه النائم تقول منه حلم واحتلم وتقول حلمت بكذا وحلمته أيضا ، والحلم بالكسر الأناة تقول منه حلم الرجل بالضم ، وتحلم تكلف الحلم قال الشاعر :
تحلم عن الأدنين واستبق ودهم ولن تستطيع الحلم حتى تحلما
وينبغي لمن استعان بسيفه أن يأخذ على يديه ولا يطلق عنانه ويسلطه فإن ذلك في الغالب يكون ضرره أكثر من نفعه لا سيما بالنسبة إلى الآخرة وربما انتشر الفساد وعظم وتعب الكبير في استدراكه ، وقد لا يمكنه ذلك فقطع هذا من الابتداء هو الواجب وهذا أمر واضح معلوم لا يخفى على عاقل نظر فيه .
وقد قال جرير الشاعر المشهور :
أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم إني أخاف عليكم أن أغضبا
سأل معاوية الحسن بن علي عن ، فقال : أما المروءة فحفظ الرجل نفسه ، وإحرازه دينه وحسن قيامه بصنعته ، وترك المنازعة ، وإفشاء السلام . وأما الكرم فالتبرع بالمعروف ، وإعطاؤك قبل السؤال ، وإطعام في المحل ، وأما النجدة فالذب عن الجار ، والصبر في المواطن ، والإقدام على الكريهة قال المروءة والكرم والنجدة جلوس الرجل ببابه من المروءة وليس من المروءة حمل الكيس في الكم . طلحة بن عبيد الله
وسئل الأحنف ، عن المروءة فقال التفقه في الدين وبر الوالدين والصبر على النوائب ، ويروى عن الأحنف قال : لا مروءة لكذوب ، ولا إخاء لملول ، ولا سؤدد لسيئ الخلق . سئل ابن شهاب الزهري عن المروءة فقال اجتناب الريب وإصلاح المال والقيام بحوائج الأهل .
وقال الزهري أيضا : الفصاحة من المروءة وقال إبراهيم النخعي ليس من المروءة كثرة الالتفات في الطريق وقال غيره من كمال المروءة أن تصون عرضك ، وتكرم إخوانك ، وتقيل في منزلك .
وذكرت الفتوة عند فقال : ليست الفتوة بالفسق ولا الفجور ، ولكن الفتوة كما قال سفيان الثوري جعفر بن محمد طعام موضوع ، وحجاب مرفوع ونائل مبذول وبشر مقبول ، وعفاف معروف ، وأذى مكفوف . [ ص: 221 ]
قال من كان ظريفا فليكن عفيفا قال محمد بن داود منصور الفقيه :
فضل التقى أفضل من فضل اللسان والحسب
إذا هما لم يجمعا إلى العفاف والأدب
وليس فتى الفتيان من راح واغتدى لشرب صبوح أو لشرب غبوق
ولكن فتى الفتيان من راح واغتدى لضر عدو أو لنفع صديق