والمحبة أصلها الصفاء ; لأن العرب تقول لصفاء بياض الأسنان ونضارتها حبب الأسنان . وقيل : مأخوذة من الحباب وهو ما يعلو الماء عند المطر الشديد ، فهي غليان القلب وثورانه عند الاهتياج إلى لقاء المحبوب . وقيل : مشتقة من اللزوم والثبات ، يقال أحب البعير إذا برك فلم يقم ، كقول الشاعر :
خلت عليه بالفلاة ضربا
ضرب بعير السوء إذ أحبا
تبيت الحبة التنضاض منه مكان الحب يستمع السرارا
واختلفوا في حد المحبة على أقوال كثيرة ، فقيل هي الميل الدائم ، بالقلب الهائم .
وقيل إيثار المحبوب ، على كل مصحوب .
وقيل موافقة الحبيب في المشهد والمغيب .
وقيل إقامة الخدمة ، مع القيام بالحرمة ، إلى غير ذلك من الأقوال .
وقد قدمنا أن شأن المحبة عظيم ومدار حركات العالم العلوي والسفلي عليها .
وقد نبه الناظم رحمه الله تعالى أن السلام من موجباتها .
وتقدم حديث مرفوعا { أبي هريرة } . والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتى تحابوا ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم
وعن رضي الله عنها مرفوعا { عائشة اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام والتأمين } وقال الشاعر : ما حسدتكم
قد يمكث الناس دهرا ليس بينهمو ود فيزرعه التسليم واللطف
وقوله رحمه الله ( معروفا ) مفعول مقدم ( ومجهولا ) معطوف عليه وقوله ( اقصد ) فعل أمر مبني على السكون وحرك بالكسر للقافية ، أي اقصد بسلامك كل إنسان سواء كان معروفا لك أو مجهولا عندك لا تعرفه .
وتقدم قوله صلى الله عليه وسلم { } . وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف
وقال رضي الله عنه : إن من التواضع أن تسلم على من لقيت . ابن مسعود
[ ص: 294 ] قال في الآداب الكبرى : ولعل أنه يكثر منه ويفشيه ويشيعه ، لا أنه يسلم على كل من رآه ، فإن هذا في السوق ونحوه يستهجن عادة وعرفا . المراد من السلام على من عرف ومن لم يعرف
ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم بمثل هذه المحافظة والمواظبة عليه لشاع وتواتر ونقله الجم الغفير خلفا من سلف . انتهى .
كذا قال .
وقد كان رضي الله عنهما يغدو إلى السوق فلا يمر بأحد إلا سلم عليه ، فقال له ابن عمر الطفيل بن أبي كعب ما تصنع في السوق ، وأنت لا تقف على البيع ، ولا تسأل عن السلع ولا تسوم بها ولا تجلس في مجالس السوق ؟ فقال يا أبا بطن - وكان الطفيل ذا بطن - إنما نغدوا من أجل السلام نسلم على من لقينا . رواه في الموطأ . مالك
لكن مراد الشيخ رضي الله عنه أن السلام على كل فرد من مجامع الناس كالأسواق والمواسم والحجيج ونحوها مستهجن عرفا وعادة وهو كذلك .
ثم رأيت الحافظ ابن حجر ذكر في شرح عن البخاري الماوردي من الشافعية أن من مشى في الشوارع المطروقة كالسوق أنه لا يسلم إلا على البعض ; لأنه لو سلم على كل من لقي لتشاغل به عن المهم الذي خرج لأجله ، ولخرج به عن العرف .
قال الحافظ : ولا يعكر على هذا ما أخرجه في الأدب المفرد وذكر خبر البخاري قال : لأن مراد ابن عمر الماوردي من خرج في حاجة له فتشاغل عنها بما ذكر ، والأثر المذكور ظاهر بأنه خرج لقصد تحصيل ثواب السلام انتهى . والله الموفق .
وعن رضي الله عنه مرفوعا { ابن مسعود } ذكره من أشراط الساعة السلام للمعرفة في شرح ابن بطال . البخاري