غذوتك مولودا وصنتك يافعا تعل بما أجني عليك وتنهل إذا ليلة ضافتك بالسقم لم أبت
لسقمك إلا ساهرا أتململ كأني أنا المطروق دونك بالأذى
طرقت به دوني وعيني تهمل تخاف الردى نفسي عليك وإنها
لتعلم أن الموت وقت مؤجل فلما بلغت السن والغاية التي
إليها مدى ما كنت فيك أؤمل جعلت جزائي غلظة وفظاظة
كأنك أنت المنعم المتفضل فليتك إذ لم ترع حق أبوتي
فعلت كما الجار المجاور يفعل فأوليتني حق الجوار ولم تكن
علي بمالي دون مالك تبخل
( الثانية ) : قال الإمام المحقق ابن القيم في كتابه روضة المحبين ونزهة المشتاقين : قال : كانت سالم بن عبد الله عاتكة ابنة زيد تحت عبد الله بن أبي [ ص: 388 ] بكر الصديق رضي الله عنهما ، وكانت غلبته على رأيه وشغلته عن سوقه ، فأمره أبو بكر رضي الله عنه بطلاقها واحدة ففعل فوجد عليها ، فقعد لأبيه على طريقه وهو يريد الصلاة ، فلما بصر بأبي بكر بكى وأنشد يقول :
ولم أر مثلي طلق اليوم مثلها ولا مثلها في غير جرم تطلق
لها خلق جزل وحلم ومنصب وخلق سوي في الحياة ومصدق
آليت لا تنفك عيني سخية عليك ولا ينفك جلدي أغبرا
فلله عينا من رأى مثله فتى أعف وأمضى في الهياج وأصبرا
إذا شرعت فيه الأسنة خاضها إلى الموت حتى يترك الرمح أحمرا
آليت لا تنفك عيني قريرة عليك ولا ينفك جلدي أصفرا
( الثالثة ) ذكر في الآداب الكبرى عن رضي الله عنهما قال : إنما رد الله عقوبة ابن عباس سليمان عن الهدهد لبره كان بأمه انتهى . يعني لما توعده سيدنا سليمان في قوله { مالي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين } وذلك لما فقده لأجل الماء ، فدعا سليمان عريف الطير وهو النسر فلم يجد عنده علمه ، ثم قال لسيد الطير وهو العقاب علي به ، فارتفعت فنظرت فإذا هو مقبل فقصدته ، فناشدها الله وقال بحق الذي قواك وأقدرك علي ألا رحمتيني ، فتركته وقالت ثكلتك أمك إن نبي الله حلف ليعذبنك قال وما استثنى قالت بلى أو ليأتيني بسلطان مبين . فلما قرب من سليمان عليه السلام أرخى ذنبه وجناحيه يجرهما على الأرض تواضعا له ، فلما دنا منه أخذ رأسه فمده إليه ، فقال يا نبي الله اذكر وقوفك بين يدي الله ، فارتعد سليمان عليه السلام وعفا عنه . قيل كان عذاب سليمان [ ص: 389 ] للطير أن ينتف ريشه ويشمسه . وقيل يطلى بالقطران ويشمس . وقيل أن يلقى للنمل يأكله . وقيل إيداعه القفص . وقيل التفريق بينه وبين إلفه . وقيل لزمته صحبة الأضداد . وقد ذكر بعضهم أن أضيق السجن معاشرة الأضداد . وقيل لزمته خدمة أقرانه .
قال عكرمة : إنما صرف سليمان عن ذبح الهدهد أنه كان بارا بوالديه ينقل الطعام إليهما فيزقهما . ذكره في حياة الحيوان . وفي الكامل وشعب الإيمان أن للبيهقي سأل نافعا رضي الله عنهما فقال ابن عباس سليمان مع ما خوله الله من الملك وأعطاه كيف عنى بالهدهد مع صغره ؟ فقال له إنه احتاج إلى الماء ، والهدهد كانت الأرض له كالزجاج فقال ابن عباس ابن الأزرق قف يا وقاف كيف يبصر الماء من تحت الأرض ولا يرى الفخ إذا غطي له بقدر أنملة من تراب ؟ فقال لابن عباس رضي الله عنهما إذا نزل القضاء عمي البصر . وأنشدوا في ذلك ابن عباس رحمه الله تعالى : لأبي عمر الزاهد
إذا أراد الله أمرا بامرئ وكان ذا رأي وعقل وبصر
وحيلة يفعلها في دفع ما يأتي به محتوم أسباب القدر
غطى عليه سمعه وعقله وسل منه ذهنه سل الشعر
حتى إذا أنفذ فيه حكمه رد عليه عقله ليعتبر