ولا بأس شرعا أن يطبك مسلم وتشكو الذي تلقى وبالحمد فابتدى
( ولا بأس ) أي
nindex.php?page=treesubj&link=17450_1973لا حرج ( شرعا ) أي في الشرع ( أن يطبك ) أي أن يداويك طبيب ( مسلم ) ثقة . قال في الآداب الكبرى : يباح التداوي وتركه أفضل نصا . قال في رواية
المروذي : العلاج رخصة وتركه درجة أعلى منه . ويأتي في النظم محترز قوله مسلم أنه يكره استطبابه ذميا .
مطلب : في شكاية المريض ما يجده من الوجع
( وتشكو ) الواو ابتدائية وليست عاطفية على أن يطبك ; لأن الفعل مرفوع لا منصوب أو عاطفة وعدم فتحه الواو ضرورة ( الذي تلقا ) هـ من النصب والوجع والوصب والعي واللغب ( و ) إذا فعلت ذلك من الشكاية فليكن على سبيل الإخبار والحكاية لا على سبيل التضجر والتبرم والتسخط والتألم و ( بالحمد ) لله جل شأنه الذي خلقك من الماء المهين وخصك بالعقل واليقين ( فابتدي ) قبل أن تفوه بالشكاية والإخبار عما تجد من الألم والشكاية بأن تقول الحمد لله أجد كذا وكذا ، والحمد لله بي الشيء الفلاني من الأذى .
قال
الإمام ابن مفلح في فروعه : ويخبر بما يجده بلا شكوى . وكان
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد رضي الله عنه يحمد الله أولا لخبر
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود إذا كان الشكر قبل الشكوى فليس بشاك متفق عليه ، وقال صاحب المحرر : يخبر بما يجده لغرض صحيح لا لقصد شكوى . واحتج الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد رضي الله عنه {
nindex.php?page=hadith&LINKID=16345بقوله صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=showalam&ids=25لعائشة لما قالت وارأساه } . واحتج
nindex.php?page=showalam&ids=16418ابن المبارك رضي الله عنه بقول
[ ص: 455 ] nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=16334إنك لتوعك وعكا شديدا ، قال أجل كما يوعك رجلان منكم } متفق عليه .
وفي فنون
nindex.php?page=showalam&ids=13372الإمام بن عقيل قوله تعالى حكاية عن
موسى عليه السلام {
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=62لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا } يدل على جواز الاستراحة إلى نوع من
nindex.php?page=treesubj&link=1972الشكوى عند إمساس البلوى . قال ونظيره {
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=84يا أسفى على يوسف } . {
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=83مسني الضر } . {
ما زالت أكلة خيبر تعاودني } .
وفي تفسير
ابن الجوزي في الآية الأولى هذا يدل على إباحة إظهار مثل هذا القول عندما يلحق الإنسان من الأذى والتعب ولا يكون ذلك شكوى . وقال
ابن الجوزي أيضا : شكوى المريض مخرجة من التوكل . وقد كانوا يكرهون
nindex.php?page=treesubj&link=1972أنين المريض ; لأنه يترجم عن الشكوى ، ثم احتج بقول رجل للإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد رضي الله عنه كيف تجدك يا
nindex.php?page=showalam&ids=12251أبا عبد الله ؟ قال بخير في عافية ، فقال له حممت البارحة ، قال إذا قلت لك أنا في عافية فحسبك لا تخرجني إلى ما أكره
nindex.php?page=treesubj&link=1973ووصف المريض ما يجده للطبيب لا يضره ، والنص المذكور لا حجة له فيه إنما يدل لما قاله هو وغيره إذا كانت المصيبة مما يمكن كتمها فكتمانها من أعمال الله الخفية . قال في الفروع : ولهذا ذكر شيخنا يعني
شيخ الإسلام بن تيمية رضي الله عنه أن عمل القلب من التوكل وغيره واجب باتفاق الأئمة ، وأن الصبر واجب بالاتفاق قال والصبر لا تنافيه الشكوى . قال والصبر الجميل صبر بغير شكوى إلى المخلوق والشكوى إلى الخالق لا تنافيه ، بل شكواه إلى الخالق مطلوبة . وقد نقل
عبد الله في أنين المريض أرجو أنه لا يكون شكوى ، لكنه اشتكى إلى الله .
قلت أنين المريض تارة يكون عن تبرم وتضجر فيكره ، وتارة يكون عن تسخط بالمقدور فيحرم فيما يظهر ، وتارة يكون لأجل ما يجد ويجد به نوع استراحة بقطع النظر عن التضجر والتبرم فيباح ، وتارة يكون عن ذل بين يدي رب العالمين وانكسار وخضوع وافتقار ومسكنة واحتقار مع حسم مادة العون إلا من بابه والشفاء إلا من عنده ، والعافية إلا من كرمه . فهذا لا يكره فيما يظهر بل يندب إليه ، وإليه الإشارة في حديث وإن لم يثبت {
المريض أنينه تسبيح ، وصياحه تكبير ، ونفسه صدقة . ونومه عبادة ، ونقله من جنب إلى جنب جهاد في سبيل الله } قال
الحافظ ابن حجر : ليس بثابت والله أعلم .
[ ص: 456 ] واقتصر الإمام الحافظ
ابن الجوزي على قول
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : إن الصبر الجميل لا جزع فيه ولا شكوى إلى الناس ، وأجاب عن قوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=84يا أسفى على يوسف } بوجهين :
أحدهما : أنه شكا إلى الله لا منه ، واختاره
ابن الأنباري وهو من أصحابنا .
والثاني : أنه أراد به الدعاء ، فالمعنى يا رب ارحم أسفي على يوسف .
وقال في قوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=83 : أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين } إن قيل أين الصبر وهذا لفظ الشكوى ، فالجواب أن الشكوى إلى الله لا تنافي الصبر ، وإنما
nindex.php?page=treesubj&link=1972المذموم الشكوى إلى الخلق ، ألم تسمع قول
يعقوب عليه السلام {
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=86إنما أشكو بثي وحزني إلى الله } قال
nindex.php?page=showalam&ids=16008سفيان بن عيينة وكذلك من شكا إلى الناس وهو في شكواه راض بقضاء الله لم يكن ذلك جزعا ألم تسمع {
nindex.php?page=hadith&LINKID=26928قول النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه أجدني مغموما وأجدني مكروبا } وقوله {
nindex.php?page=hadith&LINKID=16358بل أنا وارأساه } هذا سياق ما ذكره
ابن الجوزي ، وذكره عنه في الفروع .
وقال الإمام المحقق
ابن القيم في كتابه شرح منازل السائرين : وقد أمر الله سبحانه في كتابه بالصبر الجميل الذي لا شكوى معه ، وقد ذكرنا ذلك فيما تقدم قال وفي أثر إسرائيلي : أوحى الله إلى نبي من أنبيائه أنزلت بعبدي بلائي فدعاني فماطلته بالإجابة ، فشكاني ، فقلت عبدي كيف أرحمك من شيء به أرحمك . ثم قال والشكوى إلى الله عز وجل لا تنافي الصبر ، فإن
يعقوب عليه السلام وعد بالصبر الجميل ، والنبي إذا وعد لا يخلف ، ثم قال {
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=86إنما أشكو بثي وحزني إلى الله } وكذلك
أيوب أخبر الله عنه أنه وجده صابرا مع قوله {
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=83مسني الضر وأنت أرحم الراحمين } وإنما ينافي الصبر شكوى الله لا الشكوى إليه ، كما رأى بعضهم رجلا يشكو إلى آخر فاقة وضرورة ، فقال يا هذا تشكو من يرحمك إلى من لا يرحمك ، ثم أنشده :
وإذا عراك بلية فاصبر لها
صبر الكريم فإنه بك أعلم وإذا شكوت إلى ابن آدم إنما
تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم
( تنبيه ) : قال في الآداب الكبرى :
nindex.php?page=treesubj&link=17449ينبغي أن يقال طبيب لا حكيم لاستعمال الشارع . قال
الجوهري : الحكيم العالم وصاحب الحكمة ، والحكيم المتقن للأمور ، وقد حكم أي صار حكيما . قال في الآداب : والطبيب يتناول لغة من يطب الآدمي والحيوان وغيرهما ، كما يتناول الطبايعي والكحال
[ ص: 457 ] والجرائحي وأنواعه .
والطبيب الحاذق من يراعي نوع المرض وسببه ، وقوة المريض هل تقاوم المرض فإن قاومته تركه ، ومزاج البدن الطبيعي ما هو ، والمزاج الحادث على غير المجرى الطبيعي ، وسن المريض وبلده وعادته وما يليق بالوقت الحاضر من فصول السنة ، وحال الهواء وقت المرض ، والدواء وقوته وقوة المريض وإزالة العلة مع أمن حدوث أصعب منها . انتهى . .
وَلَا بَأْسَ شَرْعًا أَنْ يَطِبَّك مُسْلِمٌ وَتَشْكُو الَّذِي تَلْقَى وَبِالْحَمْدِ فَابْتَدَى
( وَلَا بَأْسَ ) أَيْ
nindex.php?page=treesubj&link=17450_1973لَا حَرَجَ ( شَرْعًا ) أَيْ فِي الشَّرْعِ ( أَنْ يَطِبَّك ) أَيْ أَنْ يُدَاوِيَك طَبِيبٌ ( مُسْلِمٌ ) ثِقَةٌ . قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى : يُبَاحُ التَّدَاوِي وَتَرْكُهُ أَفْضَلُ نَصًّا . قَالَ فِي رِوَايَةِ
الْمَرُّوذِيِّ : الْعِلَاجُ رُخْصَةٌ وَتَرْكُهُ دَرَجَةٌ أَعْلَى مِنْهُ . وَيَأْتِي فِي النَّظْمِ مُحْتَرَزٌ قَوْلُهُ مُسْلِمٌ أَنَّهُ يُكْرَهُ اسْتِطْبَابُهُ ذِمِّيًّا .
مَطْلَبٌ : فِي شِكَايَةِ الْمَرِيضِ مَا يَجِدُهُ مِنْ الْوَجَعِ
( وَتَشْكُو ) الْوَاوُ ابْتِدَائِيَّةٌ وَلَيْسَتْ عَاطِفِيَّةٌ عَلَى أَنْ يَطِبَّك ; لِأَنَّ الْفِعْلَ مَرْفُوعٌ لَا مَنْصُوبٌ أَوْ عَاطِفَةٌ وَعَدَمُ فَتْحِهِ الْوَاوَ ضَرُورَةٌ ( الَّذِي تَلَقَّا ) هـ مِنْ النَّصَبِ وَالْوَجَعِ وَالْوَصَبِ وَالْعِيِّ وَاللَّغَبِ ( وَ ) إذَا فَعَلْت ذَلِكَ مِنْ الشِّكَايَةِ فَلْيَكُنْ عَلَى سَبِيلِ الْإِخْبَارِ وَالْحِكَايَةِ لَا عَلَى سَبِيلِ التَّضَجُّرِ وَالتَّبَرُّمِ وَالتَّسَخُّطِ وَالتَّأَلُّمِ وَ ( بِالْحَمْدِ ) لِلَّهِ جَلَّ شَأْنُهُ الَّذِي خَلَقَك مِنْ الْمَاءِ الْمَهِينِ وَخَصَّك بِالْعَقْلِ وَالْيَقِينِ ( فَابْتَدِي ) قَبْلَ أَنْ تَفُوهُ بِالشِّكَايَةِ وَالْإِخْبَارِ عَمَّا تَجِدُ مِنْ الْأَلَمِ وَالشِّكَايَةِ بِأَنْ تَقُولَ الْحَمْدُ لِلَّهِ أَجِدُ كَذَا وَكَذَا ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ بِي الشَّيْءُ الْفُلَانِيُّ مِنْ الْأَذَى .
قَالَ
الْإِمَامُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي فُرُوعِهِ : وَيُخْبِرُ بِمَا يَجِدُهُ بِلَا شَكْوَى . وَكَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَحْمَدُ اللَّهَ أَوَّلًا لِخَبَرِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ إذَا كَانَ الشُّكْرُ قَبْلَ الشَّكْوَى فَلَيْسَ بِشَاكٍ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : يُخْبِرُ بِمَا يَجِدُهُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ لَا لِقَصْدِ شَكْوَى . وَاحْتَجَّ الْإِمَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=16345بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ nindex.php?page=showalam&ids=25لِعَائِشَةَ لَمَّا قَالَتْ وَارَأْسَاهُ } . وَاحْتَجَّ
nindex.php?page=showalam&ids=16418ابْنُ الْمُبَارَكِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِقَوْلِ
[ ص: 455 ] nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=16334إنَّك لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا ، قَالَ أَجَلْ كَمَا يُوعَكُ رَجُلَانِ مِنْكُمْ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَفِي فُنُونِ
nindex.php?page=showalam&ids=13372الْإِمَامِ بْنِ عَقِيلٍ قَوْله تَعَالَى حِكَايَةٌ عَنْ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=62لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا } يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِرَاحَةِ إلَى نَوْعٍ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=1972الشَّكْوَى عِنْدَ إمْسَاسِ الْبَلْوَى . قَالَ وَنَظِيرُهُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=84يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ } . {
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=83مَسَّنِيَ الضُّرُّ } . {
مَا زَالَتْ أَكْلَةُ خَيْبَرَ تُعَاوِدُنِي } .
وَفِي تَفْسِيرِ
ابْنِ الْجَوْزِيِّ فِي الْآيَةِ الْأُولَى هَذَا يَدُلُّ عَلَى إبَاحَةِ إظْهَارِ مِثْلِ هَذَا الْقَوْلِ عِنْدَمَا يَلْحَقُ الْإِنْسَانَ مِنْ الْأَذَى وَالتَّعَبِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ شَكْوَى . وَقَالَ
ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَيْضًا : شَكْوَى الْمَرِيضِ مُخْرِجَةٌ مِنْ التَّوَكُّلِ . وَقَدْ كَانُوا يَكْرَهُونَ
nindex.php?page=treesubj&link=1972أَنِينَ الْمَرِيضِ ; لِأَنَّهُ يُتَرْجِمُ عَنْ الشَّكْوَى ، ثُمَّ احْتَجَّ بِقَوْلِ رَجُلٍ لِلْإِمَامِ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَيْفَ تَجِدُك يَا
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ؟ قَالَ بِخَيْرٍ فِي عَافِيَةٍ ، فَقَالَ لَهُ حُمِمْت الْبَارِحَةَ ، قَالَ إذَا قُلْت لَك أَنَا فِي عَافِيَةٍ فَحَسْبُك لَا تُخْرِجْنِي إلَى مَا أَكْرَهُ
nindex.php?page=treesubj&link=1973وَوَصْفُ الْمَرِيضِ مَا يَجِدُهُ لِلطَّبِيبِ لَا يَضُرُّهُ ، وَالنَّصُّ الْمَذْكُورُ لَا حُجَّةَ لَهُ فِيهِ إنَّمَا يَدُلُّ لِمَا قَالَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ إذَا كَانَتْ الْمُصِيبَةُ مِمَّا يُمْكِنُ كَتْمُهَا فَكِتْمَانُهَا مِنْ أَعْمَالِ اللَّهِ الْخَفِيَّةِ . قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَلِهَذَا ذَكَرَ شَيْخُنَا يَعْنِي
شَيْخَ الْإِسْلَامِ بْنَ تَيْمِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ عَمَلَ الْقَلْبِ مِنْ التَّوَكُّلِ وَغَيْرِهِ وَاجِبٌ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ ، وَأَنَّ الصَّبْرَ وَاجِبٌ بِالِاتِّفَاقِ قَالَ وَالصَّبْرُ لَا تُنَافِيهِ الشَّكْوَى . قَالَ وَالصَّبْرُ الْجَمِيلُ صَبْرٌ بِغَيْرِ شَكْوَى إلَى الْمَخْلُوقِ وَالشَّكْوَى إلَى الْخَالِقِ لَا تُنَافِيهِ ، بَلْ شَكْوَاهُ إلَى الْخَالِقِ مَطْلُوبَةٌ . وَقَدْ نَقَلَ
عَبْدُ اللَّهِ فِي أَنِينِ الْمَرِيضِ أَرْجُو أَنَّهُ لَا يَكُونُ شَكْوَى ، لَكِنَّهُ اشْتَكَى إلَى اللَّهِ .
قُلْت أَنِينُ الْمَرِيضِ تَارَةً يَكُونُ عَنْ تَبَرُّمٍ وَتَضَجُّرٍ فَيُكْرَهُ ، وَتَارَةً يَكُونُ عَنْ تَسَخُّطٍ بِالْمَقْدُورِ فَيَحْرُمُ فِيمَا يَظْهَرُ ، وَتَارَةً يَكُونُ لِأَجْلِ مَا يَجِدُ وَيَجِدُ بِهِ نَوْعَ اسْتِرَاحَةٍ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ التَّضَجُّرِ وَالتَّبَرُّمِ فَيُبَاحُ ، وَتَارَةً يَكُونُ عَنْ ذُلٍّ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَانْكِسَارٍ وَخُضُوعٍ وَافْتِقَارٍ وَمَسْكَنَةٍ وَاحْتِقَارٍ مَعَ حَسْمِ مَادَّةِ الْعَوْنِ إلَّا مِنْ بَابِهِ وَالشِّفَاءِ إلَّا مِنْ عِنْدِهِ ، وَالْعَافِيَةِ إلَّا مِنْ كَرَمِهِ . فَهَذَا لَا يُكْرَهُ فِيمَا يَظْهَرُ بَلْ يُنْدَبُ إلَيْهِ ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ فِي حَدِيثٍ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ {
الْمَرِيضُ أَنِينُهُ تَسْبِيحٌ ، وَصِيَاحُهُ تَكْبِيرٌ ، وَنَفَسُهُ صَدَقَةٌ . وَنَوْمُهُ عِبَادَةٌ ، وَنَقْلُهُ مِنْ جَنْبٍ إلَى جَنْبٍ جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } قَالَ
الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ : لَيْسَ بِثَابِتٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
[ ص: 456 ] وَاقْتَصَرَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ
ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَلَى قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجِ : إنَّ الصَّبْرَ الْجَمِيلَ لَا جَزَعَ فِيهِ وَلَا شَكْوَى إلَى النَّاسِ ، وَأَجَابَ عَنْ قَوْلِهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=84يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ } بِوَجْهَيْنِ :
أَحَدِهِمَا : أَنَّهُ شَكَا إلَى اللَّهِ لَا مِنْهُ ، وَاخْتَارَهُ
ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِنَا .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الدُّعَاءَ ، فَالْمَعْنَى يَا رَبِّ ارْحَمْ أَسَفِي عَلَى يُوسُفَ .
وَقَالَ فِي قَوْلِهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=83 : أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ } إنْ قِيلَ أَيْنَ الصَّبْرُ وَهَذَا لَفْظُ الشَّكْوَى ، فَالْجَوَابُ أَنَّ الشَّكْوَى إلَى اللَّهِ لَا تُنَافِي الصَّبْرَ ، وَإِنَّمَا
nindex.php?page=treesubj&link=1972الْمَذْمُومُ الشَّكْوَى إلَى الْخَلْقِ ، أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ
يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=86إنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إلَى اللَّهِ } قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16008سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَكَذَلِكَ مَنْ شَكَا إلَى النَّاسِ وَهُوَ فِي شَكْوَاهُ رَاضٍ بِقَضَاءِ اللَّهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ جَزَعًا أَلَمْ تَسْمَعْ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=26928قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ أَجِدُنِي مَغْمُومًا وَأَجِدُنِي مَكْرُوبًا } وَقَوْلَهُ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=16358بَلْ أَنَا وَارَأْسَاهُ } هَذَا سِيَاقُ مَا ذَكَرَهُ
ابْنُ الْجَوْزِيِّ ، وَذَكَرَهُ عَنْهُ فِي الْفُرُوعِ .
وَقَالَ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ
ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِهِ شَرْحِ مَنَازِلِ السَّائِرِينَ : وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي كِتَابِهِ بِالصَّبْرِ الْجَمِيلِ الَّذِي لَا شَكْوَى مَعَهُ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ قَالَ وَفِي أَثَرٍ إسْرَائِيلِيٍّ : أَوْحَى اللَّهُ إلَى نَبِيٍّ مِنْ أَنْبِيَائِهِ أَنْزَلْت بِعَبْدِي بَلَائِي فَدَعَانِي فَمَاطَلْته بِالْإِجَابَةِ ، فَشَكَانِي ، فَقُلْت عَبْدِي كَيْفَ أَرْحَمُك مِنْ شَيْءٍ بِهِ أَرْحَمُك . ثُمَّ قَالَ وَالشَّكْوَى إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا تُنَافِي الصَّبْرَ ، فَإِنَّ
يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَعَدَ بِالصَّبْرِ الْجَمِيلِ ، وَالنَّبِيُّ إذَا وَعَدَ لَا يُخْلِفُ ، ثُمَّ قَالَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=86إنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إلَى اللَّهِ } وَكَذَلِكَ
أَيُّوبُ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ وَجَدَهُ صَابِرًا مَعَ قَوْلِهِ {
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=83مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ } وَإِنَّمَا يُنَافِي الصَّبْرَ شَكْوَى اللَّهِ لَا الشَّكْوَى إلَيْهِ ، كَمَا رَأَى بَعْضُهُمْ رَجُلًا يَشْكُو إلَى آخَرَ فَاقَةً وَضَرُورَةً ، فَقَالَ يَا هَذَا تَشْكُو مَنْ يَرْحَمُك إلَى مَنْ لَا يَرْحَمُك ، ثُمَّ أَنْشَدَهُ :
وَإِذَا عَرَاك بَلِيَّةٌ فَاصْبِرْ لَهَا
صَبْرَ الْكَرِيمِ فَإِنَّهُ بِك أَعْلَمُ وَإِذَا شَكَوْت إلَى ابْنِ آدَمَ إنَّمَا
تَشْكُو الرَّحِيمَ إلَى الَّذِي لَا يَرْحَمُ
( تَنْبِيهٌ ) : قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى :
nindex.php?page=treesubj&link=17449يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ طَبِيبٌ لَا حَكِيمٌ لِاسْتِعْمَالِ الشَّارِعِ . قَالَ
الْجَوْهَرِيُّ : الْحَكِيمُ الْعَالِمُ وَصَاحِبُ الْحِكْمَةِ ، وَالْحَكِيمُ الْمُتْقِنُ لِلْأُمُورِ ، وَقَدْ حَكُمَ أَيْ صَارَ حَكِيمًا . قَالَ فِي الْآدَابِ : وَالطَّبِيبُ يَتَنَاوَلُ لُغَةً مَنْ يَطِبُّ الْآدَمِيَّ وَالْحَيَوَانَ وَغَيْرَهُمَا ، كَمَا يَتَنَاوَلُ الطَّبَايِعِيَّ وَالْكَحَّالَ
[ ص: 457 ] وَالْجَرَائِحِيَّ وَأَنْوَاعَهُ .
وَالطَّبِيبُ الْحَاذِقُ مَنْ يُرَاعِي نَوْعَ الْمَرَضِ وَسَبَبَهُ ، وَقُوَّةَ الْمَرِيضِ هَلْ تُقَاوِمُ الْمَرَضَ فَإِنْ قَاوَمَتْهُ تَرَكَهُ ، وَمِزَاجَ الْبَدَنِ الطَّبِيعِيِّ مَا هُوَ ، وَالْمِزَاجَ الْحَادِثَ عَلَى غَيْرِ الْمَجْرَى الطَّبِيعِيِّ ، وَسِنَّ الْمَرِيضِ وَبَلَدَهُ وَعَادَتَهُ وَمَا يَلِيقُ بِالْوَقْتِ الْحَاضِرِ مِنْ فُصُولِ السَّنَةِ ، وَحَالَ الْهَوَاءِ وَقْتَ الْمَرَضِ ، وَالدَّوَاءَ وَقُوَّتَهُ وَقُوَّةَ الْمَرِيضِ وَإِزَالَةَ الْعِلَّةِ مَعَ أَمْنِ حُدُوثِ أَصْعَبَ مِنْهَا . انْتَهَى . .