الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                23 ص: قال أبو جعفر : -رحمه الله-: فلما خص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الماء الذي لا يجري دون الماء الجاري مع ما في هذه الآثار; علمنا بذلك أنه إنما فصل ذلك لأن النجاسة تداخل الماء الذي لا يجري ولا تداخل الماء الجاري، وقد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيضا في غسل الإناء من ولوغ الكلب ما سنذكره في غير هذا الموضع من كتابنا هذا إن شاء الله تعالى فذلك دليل على نجاسة الإناء ونجاسة مائه وليس ذلك بغالب على ريحه ولا على لونه ولا على طعمه، فتصحيح معاني هذه الآثار يوجب فيما ذكرنا من هذا الباب من معاني حديث بئر بضاعة ما وصفنا؛ لتتفق معاني ذلك ومعاني هذه الآثار ولا تتضاد، فهذا حكم الماء الذي لا يجري إذا وقعت فيه النجاسة من طريق تصحيح معاني الآثار، غير أن قوما وقتوا في ذلك شيئا فقالوا: إذا كان الماء قلتين لم يحمل خبثا.

                                                التالي السابق


                                                ش: لما أول فيما مضى معنى قوله - عليه السلام - في بئر بضاعة : "إن الماء لا ينجس" بأنه لا ينجس في حال عدم النجاسة فيها، وكذلك معنى قوله - عليه السلام -: "إن الأرض لا تنجس" بأنها لا تبقى نجسة إذا زالت النجاسة منها، وأقام على ذلك شواهد تدل على صحة مدعاه وهي أحاديث بول الأعرابي في المسجد، ثم أوضح ذلك [ ص: 111 ] بأحاديث النهي عن البول في الماء الدائم الذي لا يجري ، علم بذلك اتفاق معاني آثار بئر بضاعة مع معاني هذه الآثار، وليس بينها تضاد في الحقيقة; وإن كان يتوهم ذلك بحسب الظاهر.

                                                قوله: "ما سنذكره" مسند إلى قوله: "وقد روي".

                                                قوله: "فذلك" إشارة إلى حديث غسل الإناء من ولوغ الكلب.

                                                قوله: "وليس ذلك بغالب" جملة حالية.

                                                قوله: "فتصحيح معاني هذه الآثار" كلام إضافي مبتدأ، وخبره قوله: "يوجب" وقوله: "ما وصفنا" مفعوله.

                                                قوله: "ولا تتضاد" بالنصب عطفا على قوله: "لتتفق معاني هذه الآثار" والتضاد بين الشيئين التنافي بينهما، وهو أن يقتضي أحدهما ثبوت أمر والآخر انتفاءه في محل واحد بشرط تساويهما في القوة، وكذا التناقض بين الشيئين والتعارض بينهما، فالمتضادان لا يجتمعان ولكنهما يرتفعان كالأبيض والأسود، والتناقض عند أهل المعقول: اختلاف القضيتين بالسلب والإيجاب بحيث يقتضي لذاته صدق إحداهما وكذب الأخرى.

                                                قوله: "غير أن قوما" أراد بهم الشافعي وأحمد وإسحاق وأبا ثور وأبا عبيد ومن تبعهم في توقيت الماء القليل.

                                                قوله: "وقتوا" أي قدروا في الماء الدائم في حكم القليل الذي يتنجس بوقوع النجاسة بما دون القلتين على ما يتحرر عن قريب إن شاء الله تعالى.




                                                الخدمات العلمية