الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                133 ص: ففي هذا الأثر أن رسول الله - عليه السلام - مسح على بعض الرأس، وهو الناصية، وظهور الناصية دليل على أن بقية الرأس حكمه حكم ما ظهر منه; لأنه لو كان [ ص: 284 ] الحكم قد ثبت بالمسح على العمامة لكان كالمسح على الخفين فلم يكن إلا وقد غييت الرجلان فيهما، ولو كان بعض (الرجل) باديا لما أجزأه أن يغسل ما ظهر (منها) ويمسح على ما غاب منهما [فجعل حكم ما غاب منهما مضمنا] لحكم ما بدا منهما [فلما] وجب غسل الظاهر وجب غسل الباطن، فكذلك الرأس لما وجب مسح ما ظهر منه ثبت أنه لا يجوز مسح ما بطن منه ليكون حكمه كله حكما واحدا كما كان حكم الرجلين إذا غيب بعضهما في الخفين حكما واحدا، فلما اكتفى النبي - عليه السلام - في هذا الأثر بمسح الناصية عن مسح ما بقي من الرأس، دل ذلك أن الفرض في مسح الرأس هو مقدار الناصية، وأن ما فعله فيما جاوز به الناصية فيما سوى ذلك من الآثار كان دليلا على الفضل لا على الوجوب; حتى تستوي هذه الآثار ولا تتضاد، فهذا حكم هذا الباب من طريق الآثار.

                                                التالي السابق


                                                ش: أشار بهذا الأثر إلى حديث المغيرة بن شعبة ، تحريره أنه - عليه السلام - مسح على بعض رأسه في هذا الحديث، وهو الناصية، وظهورها من بين أجزاء الرأس دليل على أن حكم بقية الرأس من الفودين والقفا كحكم ما ظهر منه، وأن الحكم قد ثبت بالمسح على الناصية؛ إذ لو ثبت بالمسح على العمامة لكان حكمه كحكم المسح على الخفين ولم يكن المسح (على) الخفين إلا عند تغيب الرجلين فيهما؛ إذ لو كان بعض الرجل ظاهرا لما أجزأه أن يغسل ما ظهر من ذلك ويمسح ما غاب لعدم [جواز] الجمع بين الغسل والمسح من غير ضرورة، فإذا وجب غسل ما ظهر وجب غسل ما بطن، فكذلك الرأس، لما وجب مسح ما ظهر منه ثبت أنه لا يجوز مسح ما بطن منه تحت العمامة ونحوها؛ ليكون حكمه كله حكما واحدا كما كان حكم الرجلين [ ص: 285 ] كما ذكرنا، ثم إن النبي - عليه السلام - لما اكتفى في هذا الحديث بالمسح على الناصية عن مسح ما بقي من رأسه دل فعله ذلك أن الفرض في مسح الرأس هو مقدار الناصية؛ إذ لو كان غيرها منها فرضا لما اكتفى بها، ودل ذلك أيضا أن مسحه جميع رأسه في الأحاديث المتقدمة كان ذلك منه على سبيل الفضل والنفل، لا على سبيل الوجوب؛ إذ لو لم يكن الأمر كذلك يلزم التضاد بين هذه الآثار; لأن حديث المغيرة يدل على وجوب البعض، وأحاديث غيره تدل على وجوب الكل فإذا حملنا على المعنى المذكور يرتفع التضاد، وتستوي معاني الآثار.




                                                الخدمات العلمية