الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                315 ص: واحتجوا في ذلك بما:

                                                حدثنا محمد بن الحجاج ، وسليمان بن شعيب ، قالا: ثنا بشر بن بكر، قال: نا الأوزاعي، قال: حدثني عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة ، - رضي الله عنها -: "أنها سئلت عن الرجل يجامع فلا ينزل . فقالت: فعلته أنا ورسول الله - عليه السلام - فاغتسلنا منه جميعا" .

                                                التالي السابق


                                                ش: إسناده صحيح، والأوزاعي: عبد الرحمن بن عمرو .

                                                وأخرجه الترمذي : عن محمد بن المثنى ، عن الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي ... إلى آخره نحوه، ولفظه: "إذا جاوز الختان الختان وجب الغسل ، فعلته أنا ورسول الله - عليه السلام - فاغتسلنا" . وقال: هذا حديث حسن صحيح.

                                                وأخرجه ابن ماجه : عن علي بن محمد وعبد الرحمن بن إبراهيم ، كلاهما عن الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي ... إلى آخره نحو رواية الترمذي .

                                                [ ص: 484 ] واحتج به جماعة المهاجرين على وجوب الغسل بالإيلاج وإن لم ينزل، وهذا لا خلاف فيه اليوم، وقد كان فيه خلاف لبعض الصحابة ومن بعدهم، وهم الذين ذكرناهم، ثم انعقد الإجماع على الوجوب مطلقا، وكان ما ذكروه في أول الإسلام رخصة؛ لقلة ثياب الناس، ثم نسخ ذلك وأمر بالغسل بالإكسال، ولكن بقي على المذهب الأول جماعة من الصحابة; لم يبلغهم خبر التقاء الختانين، منهم: سعد بن أبي وقاص ، وأبو أيوب الأنصاري ، وأبو سعيد الخدري ، ورافع بن خديج ، وزيد بن خالد الجهني

                                                وقد خالف بعض الظاهرية لداود ووافق الجماعة.

                                                ومستند داود : "إنما الماء من الماء" .

                                                وقد جاء في الحديث: "إنما كان الماء من الماء رخصة في أول الإسلام ثم نسخ" رواه الترمذي وصححه، فزال ما استندوا إليه.

                                                وذهب ابن عباس وغيره إلى أنه ليس منسوخا، بل المراد به نفي وجوب الغسل بالرؤية في النوم إذا لم ينزل.

                                                وقال ابن العربي : وقد روى جماعة من الصحابة المنع ثم رجعوا، حتى روي عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال: "من خالف في ذلك جعلته نكالا" وانعقد الإجماع على ذلك، ولا يعبأ بخلاف داود في ذلك; فإنه لولا خلافه ما عرف، وإنما الأمر الصعب خلاف البخاري في ذلك، وحكمه بأن الغسل أحوط، وهو أحد حكماء الدين، والعجب منه أنه يساوي بين حديث عائشة في وجوب الغسل بالتقاء الختانين، وبين حديث عثمان وأبي في نفيه إلا بإنزال، وحديث عثمان ضعيف وكذلك حديث أبي ; لأنه قد صح رجوعه عما روى لما سمع وعلم ما كان أقوى منه، وقد [ ص: 485 ] قيل: يحتمل قول البخاري : "الغسل أحوط" يعني في الدين وهو باب مشهور في الأصول، وهو الأشبه بإمامة الرجل وعلمه.

                                                وروى مالك ، عن ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب : أن عمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان ، وعائشة أم المؤمنين، كانوا يقولون: "إذا مس الختان الختان فقد وجب الغسل" .

                                                وقال ابن بطال : وقد روي عن عثمان وعلي وأبي بأسانيد حسان أنهم أفتوا بخلافه. والله أعلم.




                                                الخدمات العلمية