الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                312 ص: حدثنا أحمد بن عبد الرحمن، قال: ثنا عمي عبد الله بن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث، أن ابن شهاب أخبره، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي سعيد [ أن] رسول الله - عليه السلام - قال: " الماء من الماء". .

                                                التالي السابق


                                                ش: إسناده صحيح، وابن شهاب : هو محمد بن مسلم ، وأبو سلمة: عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف .

                                                [ ص: 478 ] وأخرجه مسلم وقال: ثنا هارون بن سعيد الأيلي ، ثنا ابن وهب ، قال: أخبرني عمرو بن الحارث ... إلى آخره نحوه.

                                                قوله: "الماء من الماء" يعني وجوب الغسل من إنزال المني ، وقد استدل أبو بكر الدقاق وبعض الحنابلة بهذا الحديث أن التخصيص باسم العلم يوجب نفي الحكم عما عداه; وذلك لأن الأنصار فهموا عدم وجوب الاغتسال بالإكسال -وهو أن يفتر الذكر بعد الإيلاج قبل الإنزال- من قوله - عليه السلام -: "الماء من الماء" أي الاغتسال واجب من المني، فالماء الأول هو المطهر، والثاني هو المني، "ومن" للسببية، والأنصار كانوا من أهل اللسان وفصحاء العرب، وقد فهموا التخصيص منه، حتى استدلوا به على نفي وجوب الاغتسال بالإكسال; لعدم الماء، ولو لم يكن التنصيص باسم الماء موجبا للنفي عما عداه; لما صح استدلالهم على ذلك، والجواب عن ذلك: أنه ليس ذلك من دلالة التنصيص على التخصيص، بل إنما هو من اللام المعرفة الموجبة للاستغراق عند عدم المعهود، ونحن نقول هذا الكلام للاستغراق والانحصار كما فهمها الأنصار ، لكن لما دل الدليل -وهو الإجماع- على وجوب الاغتسال من الحيض والنفاس أيضا نفى الانحصار فيما وراء ذلك مما يتعلق بالمني، وصار المعنى: جميع الاغتسالات المتعلقة بالمني تنحصر فيه لا تثبت لغيره.

                                                فإن قيل: فعلى هذا ينبغي ألا يجب الغسل بالإكسال لعدم الماء.

                                                قلت: الماء فيه ثابت تقديرا; لأنه تارة يثبت عيانا كما في حقيقة الإنزال، ومرة دلالة كما في التقاء الختانين; فإنه سبب لنزول الماء، فأقيم مقامه; لكونه أمرا خفيا كالنوم أقيم مقام الحدث؛ لتعذر الوقوف عليه.




                                                الخدمات العلمية