الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        37445 - قال مالك : الأمر عندنا في القصاص بين المماليك كهيئة [ ص: 157 ] قصاص الأحرار ، نفس الأمة بنفس العبد ، وجرحها بجرحه ، فإذا قتل العبد عبدا عمدا خير سيد العبد المقتول ، فإن شاء قتل ، وإن شاء أخذ العقل ، فإن أخذ العقل أخذ قيمة عبده ، وإن شاء رب العبد القاتل أن يعطي ثمن العبد المقتول فعل ، وإن شاء أسلم عبده ، فإذا أسلمه فليس عليه غير ذلك وليس لرب العبد المقتول ، إذا أخذ العبد القاتل ورضي به ، أن يقتله ، وذلك في القصاص كله بين العبيد ، في قطع اليد والرجل وأشباه ذلك ، بمنزلته في القتل .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        37446 - قال أبو عمر : العلماء في القصاص بين العبيد ، على ثلاثة أقوال :

                                                                                                                        37447 - أحدها : أن القصاص بينهم ، كما هو بين الأحرار في النفس فما دونها من العمد كله .

                                                                                                                        37448 - وممن قال بهذا ، مالك ، والشافعي ، وأصحابه ، وابن أبي ليلى ، والأوزاعي .

                                                                                                                        37449 - وروي ذلك عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - .

                                                                                                                        37450 - وبه قال سالم ، وعمر بن عبد العزيز ، وجماعة من أهل الحجاز .

                                                                                                                        37451 - والقول الثاني : أنه لا قصاص بين العبيد ، في جرح ، ولا في نفس ، كما لا قصاص بين الصبيان .

                                                                                                                        37452 - وروي ذلك عن إبراهيم ، والحسن ، والشعبي ، وحماد ، والحكم .

                                                                                                                        37453 - وبه قال ابن شبرمة ، وإياس بن معاوية ، سووا بين الجراح والنفس ، [ ص: 158 ] في أن لا قصاص .

                                                                                                                        37454 - والقول الثالث : أنه لا قصاص بين العبيد ، إلا في النفس خاصة .

                                                                                                                        37455 - روي ذلك عن عبد الله بن مسعود .

                                                                                                                        37456 - وروي ذلك أيضا عن الشعبي ، والحسن .

                                                                                                                        37457 - وبه قال سفيان الثوري ، والحسن بن حي ، وأبو حنيفة ، وأصحابه .

                                                                                                                        37458 - واحتج لهم الطحاوي بحديث قتادة ، عن أبي نضرة ، عن عمران بن حصين ، أن عبدا لقوم فقراء ، قطع أذن عبد لقوم أغنياء ، فأتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يقصهم منه .

                                                                                                                        37459 - قال : ولو كان واجبا ، لاقتص لهم ، لأن الله تعالى يقول : ( ياأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما ) [ النساء : 135 ] .

                                                                                                                        37460 - قال : واستعملنا في النفس بالنفس قوله - صلى الله عليه وسلم - : " المسلمون تتكافأ دماؤهم " .

                                                                                                                        37461 - قال أبو عمر : قد يحتمل أن يكون يقتص للفقراء ، لأنه - عليه السلام - أمرهم بالعفو على أخذ الأرش لموضع فقرهم ، ففعلوا .

                                                                                                                        37462 - وكذلك - والله أعلم - نقل في الحديث ذكر فقرهم .

                                                                                                                        [ ص: 159 ] 37463 - وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " المسلمون تتكافأ دماؤهم " . فدخل في ذلك النفس وما دونها ، إذا وجب القصاص فيها ، وجب فيما دونها من الجراح .

                                                                                                                        37464 - قال الله تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى ) [ البقرة : 178 ] . وقال تعالى : ( والجروح قصاص ) [ المائدة : 45 ] . فمن جاز أن يقتص منه في النفس ، كان فيما دونها أحرى وأولى ، إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                        37465 - قال أبو عمر : قول مالك في هذه المسألة : يخير سيد العبد المقتول ، إن شاء قتل ، وإن شاء أخذ العقل ، يشهد لما روى عنه أهل المدينة ، أن ولي المقتول بالخيار ، إن شاء قتل ، وإن شاء أخذ الدية ، خلاف رواية ابن القاسم .




                                                                                                                        الخدمات العلمية