الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        38104 - قال مالك : ليس بين الحر والعبد قود في شيء من الجراح ، والعبد يقتل بالحر إذا قتله عمدا ، ولا يقتل الحر بالعبد وإن قتله عمدا ، وهو أحسن ما سمعت .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        38105 - قال أبو عمر : أما اختلافهم في القصاص بين العبيد والأحرار ، فاتفق مالك ، والليث ، على أن العبد يقتل بالحر ، وأن الحر لا يقتل بالعبد .

                                                                                                                        38106 - وخالفه الليث في القصاص ، في أعضاء العبد بالحر ، فقال : إذا جنى العبد على الحر ، فيما دون النفس ، فالحر مخير ، إن شاء اقتص من العبد ، وإن شاء كانت الجناية في رقبة العبد على سيده .

                                                                                                                        38107 - وقد ناقض ، لأنه لا يوجب خيارا للرجل في جناية المرأة عليه ، في أعضائه ، وهي ناقصة عنه في الدية .

                                                                                                                        38108 - واتفقا على أن الكافر يقتل بالمؤمن ، ولا يقتل به المؤمن ، ويقتل [ ص: 266 ] العبد بالحر ، ولا يقتل به الحر .

                                                                                                                        38109 - وقال الشافعي : كل من جرى عليه القصاص في النفس ، جرى عليه في الجراح ، وليس بين الحر والعبد قصاص ، إلا أن يشاء الحر .

                                                                                                                        38110 - وقال أبو حنيفة وأصحابه : لا قصاص بين الأحرار والعبيد ، إلا في النفس ، فإنه يقتل الحر بالعبد ، كما يقتل العبد بالحر ، ولا قصاص بينهما في شيء من الجرح والأعضاء .

                                                                                                                        38111 - وقال ابن أبي ليلي القصاص بين الحر والعبد ، في النفس ، وفي كل ما يستطاع فيه القصاص من الأعضاء .

                                                                                                                        38112 - وهو قول داود ، واحتج بقول النبي - صلى الله عليه وسلم : " المسلمون تتكافأ دماؤهم " فلم يفرق بين حر وعبد .

                                                                                                                        38113 - قال أبو عمر : قد قال الله - عز وجل : ( وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله ) [ النساء : 92 ] .

                                                                                                                        38114 - فأجمع العلماء ، أنه لا يدخل العبيد في هذه الآية ، وإنما أراد بها الأحرار .

                                                                                                                        38115 - فكذلك قوله - عليه السلام : " المسلمون تتكافأ دماؤهم " ، أريد به الأحرار دون العبيد .

                                                                                                                        38116 - والجمهور على ذلك .

                                                                                                                        38117 - وإذا لم يكن قصاص بين العبيد والأحرار ، في ما دون النفس ، [ ص: 267 ] فالنفس أحرى بذلك ، وقد قال الله - عز وجل : ( الحر بالحر والعبد بالعبد ) [ البقرة : 178 ] ولولا الإجماع في قتل الرجال بالنساء ، لكان ذلك حكم الأنثى بالأنثي .

                                                                                                                        38118 - واتفق أبو حنيفة وأصحابه ، والثوري ، وابن أبي ليلي ، وداود ، على أن الحر يقتل بالعبد ، كما يقتل العبد به .

                                                                                                                        38119 - وروي ذلك عن علي ، وابن مسعود - رضي الله عنهم .

                                                                                                                        38120 - وبه قال سعيد بن المسيب ، وإبراهيم النخعي ، وقتادة ، والحكم .

                                                                                                                        38121 - ذكر وكيع ، قال : حدثني سفيان ، عن سهيل بن أبي صالح ، قال : سألت سعيد بن المسيب عن الحر يقتل العبد عمدا ، قال : اقتله به ، ولو اجتمع عليه أهل اليمن ، قتلتهم به .

                                                                                                                        38122 - وقال مالك ، والليث ، والشافعي ، وابن شبرمة : لا يقتل حر بعبد .

                                                                                                                        37123 - وبه قال أبو ثور ، وأحمد ، وإسحاق .

                                                                                                                        37124 - وهو قول الحسن ، وعطاء ، وعكرمة ، وعمرو بن دينار ، وعمر بن عبد العزيز ، وسالم بن عبد الله ، والقاسم بن محمد ، والشعبي .

                                                                                                                        38125 - قال وكيع : حدثني شعبة ، عن مغيرة ، عن الشعبي ، قال : إذا قتل الرجل عبده عمدا ، لم يقتل به .

                                                                                                                        38126 - وكان الشعبي ، وسفيان الثوري يقولان : يقتل الحر بعبد غيره ، ولا يقتل بعبده .

                                                                                                                        38127 - قال سفيان : كما لو قتل ابنه ، لم يقتل به ، وأرى أن يعزر .

                                                                                                                        [ ص: 268 ] 38128 - وقد ناقض أبو حنيفة ، ومن قال بقوله في آرائهم من قطع يد الحر بيد العبد ، وهو يقتله به ، والنفس أعظم حرمة ، فإذا لم يكافئه في اليد ، فأحرى ألا يكافئه في النفس .

                                                                                                                        38129 - واحتجاج أصحابه بحديث عمران بن حصين ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في عبد لقوم قطع أذن عبد لقوم ، فلم يجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهم قصاصا ، لا حجة فيه ، ولو تأمله المحتج لهم ، ما احتج به .

                                                                                                                        38130 - وكذلك حجتهم بحديث سمرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم : " من قتل عبده ، قتلناه ، ومن جدع عبده جدعناه " لا تقوم لهم به حجة ، لأن أكثر أهل العلم يقولون : إن الحسن لم يسمع من سمرة ، وأيضا فلو كان صحيحا عن الحسن ، ما كان خالفه ، فقد كان يفتي بأن لا يقتل الحر بالعبد .

                                                                                                                        38131 - حدثني أحمد بن قاسم ، وعبد الوارث بن سفيان ، قالا : حدثني قاسم بن أصبغ ، قال : حدثني الحارث بن أبي أسامة ، قال : حدثني سعيد بن عامر ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة بن جندب ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " من قتل عبده ، قتلناه به " .

                                                                                                                        38132 - قال ثم إن الحسن نسي هذا الحديث بعد ذلك ، فكان يقول : لا يقتل حر بعبد .

                                                                                                                        38133 - أخبرنا عبد الله ، قال : حدثني حمزة ، قال : حدثني أحمد بن شعيب ، قال : أخبرنا قتيبة بن سعيد ، قال : حدثني أبو عوانة ، عن قتادة ، عن [ ص: 269 ] الحسن ، عن سمرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " من قتل عبده ، قتلناه ، ومن جدع عبده جدعناه " .

                                                                                                                        38134 - ورواه أبو عيسى الترمذي ، بإسناده مثله ، وقال : سألت محمد بن إسماعيل ، عن هذا الحديث ، فقال : قد كان علي بن المديني يقول بهذا الحديث ، وأنا أذهب إليه .

                                                                                                                        38135 - قال : وسماع الحسن من سمرة عندي صحيح .

                                                                                                                        38136 - ومن حجتهم أيضا أن قالوا : لما كان أمان العبد كأمان الحر ، وتحريم دمه كتحريم دم الحر ، وجب أن يكون مكافئا له في القصاص .

                                                                                                                        38137 - فالجواب أن هذه علة قد أتت ببطلانها السنة ، لأن دم الذمي محرم .

                                                                                                                        38138 - وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " لا يقتل مؤمن بكافر " .

                                                                                                                        38139 - وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يعارض حديث سمرة ، وإن كان في إسناده من لا يحتج به ، لضعفه وسوء نقله ، فإنه مما يستظهر به .

                                                                                                                        38140 - حدثني عبد الوارث بن سفيان ، وسعيد بن نصر ، قالا : حدثني قاسم ، قال : حدثني محمد ، قال : حدثني أبو بكر ، قال : حدثني إسماعيل بن عياش ، عن إسحاق بن أبي فروة ، عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين ، عن أبيه ، عن علي - رضي الله عنه - قال : أتي النبي - صلى الله عليه وسلم - برجل قتل عبده عمدا ، فجلده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مائة ، ونفاه سنة ، ومحا اسمه من المسلمين ، ولم يقد منه .

                                                                                                                        [ ص: 270 ] 38141 - قال أبو بكر : وحدثني إسماعيل بن عياش ، عن إسحاق بن أبي فروة ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله .

                                                                                                                        38142 - وقد روي عن أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - أنهما كانا يقولان : لا يقتل المولى بعبده ، ولكن يضرب ويطال حبسه ، ويحرم سهمه ، وكانا لا يقتلان الحر بالعبد .

                                                                                                                        38143 - وأما حديث أمان العبد المسلم ، فحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : أخبرنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثني عبيد الله بن عبد الواحد ، قال : حدثني محبوب بن موسى ، قال : حدثني أبو إسحاق الفزاري ، عن ابن أبي أنيسة ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، قال : لما كان يوم الفتح ، خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو مسند ظهره إلى جدار الكعبة ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : " المسلمون تتكافأ دماؤهم ، ويسعى بذمتهم أدناهم ، ويعقد عليهم أولاهم ، ويرد عليهم أقصاهم ، ولا يقتل مؤمن بكافر ، ولا ذو عهد في عهده " .




                                                                                                                        الخدمات العلمية