الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        1617 1612 - مالك ، عن يحيى بن سعيد ، أن سليمان بن يسار كان يقول : دية المجوسي ثمانمائة درهم .

                                                                                                                        قال مالك : وهو الأمر عندنا .

                                                                                                                        قال مالك : وجراح اليهودي والنصراني والمجوسي في دياتهم على حساب جراح المسلمين في دياتهم ، الموضحة نصف عشر ديته ، والمأمومة ثلث ديته ، والجائفة ثلث ديته ، فعلى حساب ذلك ، جراحاتهم كلها .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        37474 - قال أبو عمر : اختلف أهل العلم في دية أهل الكفر ، فذهب مالك إلى ما ذكره في " موطئه " في دية اليهودي ، والنصراني ، عن عمر بن عبد العزيز ، في دية المجوسي ، عن سليمان بن يسار .

                                                                                                                        37475 - وذكر وكيع ، قال : حدثني سفيان ، عن عبد الله بن ذكوان أبي الزناد ، عن عمر بن عبد العزيز ، قال : دية المعاهد على النصف من دية المسلم .

                                                                                                                        37476 - وقال أبو بكر : حدثني يزيد بن هارون ، عن يحيى بن سعيد ، عن سليمان بن يسار ، قال : كان الناس يقضون في دية اليهودي ، والنصراني ، وبالذي [ ص: 163 ] كانوا يتعاقلون به فيما بينهم ، ثم رجعت الدية إلى ستة آلاف درهم .

                                                                                                                        37477 - قال : وكان الناس يقضون في الزمان الأول ، في دية المجوسي ثمانمائة درهم .

                                                                                                                        37478 - وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " دية الكافر نصف دية المؤمن " .

                                                                                                                        37479 - حدثني خلف بن القاسم ، قال : حدثني الفضل بن أبي العقب بدمشق ، قال : حدثني أبو زرعة ، قال : حدثني أحمد بن خالد الوهبي قال : حدثني محمد بن إسحاق ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، قال : لما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة عام الفتح قال في خطبته : " دية الكافر نصف دية المسلم " .

                                                                                                                        37480 - وحدثني سعيد ، وعبد الوارث ، قالا : حدثني قاسم ، قال : حدثني محمد ، قال : حدثني أبو بكر ، قال حدثني عبد الرحيم بن سليمان ، عن محمد بن إسحاق ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " دية [ ص: 164 ] الكافر نصف دية المسلم " .

                                                                                                                        37481 - وقال الشافعي : دية اليهودي ، والنصراني ثلث دية المسلم ، ودية المجوسي ثلاثمائة درهم .

                                                                                                                        37482 - قال : والمرأة على النصف من ذلك .

                                                                                                                        37483 - قال أبو عمر : روي هذا عن عمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان - رضي الله عنهما .

                                                                                                                        37484 - وبه قال الحسن البصري ، وعكرمة ، وعطاء ، ونافع مولى ابن عمر ، وعمرو بن دينار ، وعمر بن عبد العزيز ، في رواية .

                                                                                                                        37485 - ذكر أبو بكر ، قال : حدثني وكيع ، عن سفيان ، عن أبي المقدام ، عن سعيد بن المسيب ، عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال : دية اليهودي ، والنصراني ، أربعة آلاف ، ودية المجوسي ثمانمائة درهم .

                                                                                                                        37486 - قال : وحدثني سفيان ، عن صدقة بن يسار ، عن سعيد بن المسيب ، أن عثمان - رضي الله عنه - قضى في دية اليهودي ، والنصراني ، أربعة آلاف درهم .

                                                                                                                        [ ص: 165 ] 37487 - قال أبو أسامة ، عن هشام ، قال : قرأت كتاب عمر بن عبد العزيز ، أن دية اليهودي والنصراني ، ثلث دية المسلم .

                                                                                                                        37488 - قال : وحدثني يحيى بن سعيد ، عن عثمان بن غياث ، عن عكرمة ، والحسن ، قالا : دية اليهودي ، والنصراني ، أربعة آلاف ، ودية المجوسي ثمانمائة .

                                                                                                                        37489 - قال : وحدثني ابن نمير ، عن عطاء ، قال : دية اليهودي ، والنصراني ، أربعة آلاف ، ودية المجوسي ثمانمائة .

                                                                                                                        37490 - قال أبو عمر : اختلف عن عمر بن عبد العزيز ، في دية الذمي ، فروي عنه ، أنه كان يقضي في دية اليهودي ، والنصراني ، بنصف دية المسلم .

                                                                                                                        37491 - ذكره معمر ، عن الزهري ، وغيره ، عن عمر .

                                                                                                                        37492 - وقد روى ابن جريج ، عن عبد العزيز بن عمر ، عن أبيه ، أن دية المجوسي أربعة آلاف درهم .

                                                                                                                        37493 - وقال أبو حنيفة ، وأصحابه ، والثوري ، وعثمان البتي ، والحسن بن حي : دية المسلم والكافر واليهودي والنصراني ، والمجوسي ، والمعاهد ، سواء .

                                                                                                                        37494 - وهو قول ابن شهاب .

                                                                                                                        [ ص: 166 ] 37495 - قال أبو عمر : روي هذا عن جماعة من الصحابة والتابعين .

                                                                                                                        37496 - وروى إبراهيم بن سعد ، عن ابن شهاب ، قال : كان أبو بكر ، وعمر ، وعثمان - رضي الله عنهم - يجعلون دية اليهودي ، والنصراني ، إذا كانوا معاهدين ، مثل دية المسلم .

                                                                                                                        37497 - قال أبو عمر : الأحاديث في هذا الباب ، عن عمر ، وعثمان ، مضطربة ، مختلفة ، منقطعة ، فلا حجة فيها .

                                                                                                                        37498 - وروي عن ابن مسعود ، قال : دية أهل الكتاب ، وكل من له عهد ، أو ذمة ، دية المسلم .

                                                                                                                        37499 - وهو قول إبراهيم ، والشعبي ، وعطاء ، والحكم ، وحماد .

                                                                                                                        37500 - ورواه الحكم بن عتيبة ، عن علي - رضي الله عنه - .

                                                                                                                        37501 - ورواه مجاهد أيضا عن علي ، ولم يدرك واحد منهما زمان علي .

                                                                                                                        37502 - وروى معمر ، عن الزهري ، قال : دية اليهودي ، والنصراني ، وكل ذمي ، مثل دية المسلم .

                                                                                                                        قال : وكذلك كانت على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي - رضوان الله عليهم - حتى كان معاوية ، فجعل في بيت المال نصفها ، وأعطى [ ص: 167 ] أهل المقتول نصفها ، ثم قال : قضى عمر بن عبد العزيز بنصف الدية ، وألغى الذي جعله معاوية في بيت المال ، قال : وأحسب عمر رأى ذلك النصف ، الذي جعله معاوية في بيت المال ، ظلما منه .

                                                                                                                        37503 - قال الزهري : فلم يقيض لي أن أذاكر بذلك عمر بن عبد العزيز ، فأخبره أن الدية قد كانت تامة لأهل الذمة .

                                                                                                                        37504 - قال معمر : فقلت للزهري : إن ابن المسيب ، قال : ديته أربعة آلاف ، فقال لي : إن خير الأمور ما عرض على كتاب الله ، قال الله - عز وجل : ( فدية مسلمة إلى أهله )
                                                                                                                        [ النساء : 92 ] .

                                                                                                                        37505 - وقال عبد الرزاق : أخبرنا أبو حنيفة ، عن الحكم بن عتيبة ، أن عليا - رضي الله عنه - قال : دية اليهودي ، والنصراني مثل دية المسلم .

                                                                                                                        37506 - قال أبو حنيفة : وهو قولي .

                                                                                                                        37507 - قال : وأخبرنا ابن جريج ، عن يعقوب بن عتبة ، وإسماعيل بن محمد ، وصالح ، قالوا : عقل كل معاهد ، ومعاهدة ، كعقل المسلم ، ذكرانهم كذكرانهم ، وإناثهم كإناثهم ، جرت بذلك السنة في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                        37508 - وذكر أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثني إسماعيل بن إبراهيم ، عن أيوب ، قال : سمعت الزهري يقول : دية المعاهد دية المسلم ، وتلا هذه الآية : [ ص: 168 ] ( وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة ) [ النساء : 92 ] .

                                                                                                                        37509 - قال أبو عمر : احتج الكوفيون بهذه الآية ، قوله - عز وجل : ( وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله ) [ النساء : 92 ] . ثم قال عز وجل : ( وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة ) [ النساء : 92 ] .

                                                                                                                        37510 - قالوا : فلما كانت الكفارة واجبة في قتل الكافر الذمي ، وجب أن تكون الدية كذلك .

                                                                                                                        37511 - وقالوا : وقوله - عز وجل : ( وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة ) [ النساء : 92 ] ، كما قال في المؤمن ، فأراد الكافر ، لأنه لو أراد المؤمن لقال عز وجل : وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق وهو مؤمن ، كما قال - عز وجل : ( فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن ) [ النساء : 92 ] .

                                                                                                                        37512 - فأوجب الله - عز وجل - فيه تحرير رقبة دون الدية ، لأنه مؤمن من قوم حربيين ، عدو للمسلمين .

                                                                                                                        37513 - قال أبو عمر : قول مالك حدثني يحيى بن سعيد ، عن أشعث ، عن الحسن ، قال : إذا قتل المسلم الذمي ، فليس فيه غير كفارة .

                                                                                                                        [ ص: 169 ] 37514 - وتأول مالك - رحمه الله - هذه الآية في المؤمنين ، لأنه قال - عز وجل - في أولها : ( ومن قتل مؤمنا خطأ ) ثم قال : ( وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق ) [ النساء : 92 ] . يعني المؤمن المقتول خطأ .

                                                                                                                        37515 - ورد قوله هذا بعض من ذهب مذهب الكوفيين ، فقال : الحجة عليه أن الله - عز وجل - قال في هذه الآية : ( فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن ) [ النساء : 92 ] . فدل ذلك على أنه لم يعطفه على ما تقدم من قوله عز وجل : ( ومن قتل مؤمنا خطأ ) [ النساء : 92 ] لأنه لو كان معطوفا عليه ، ما قال : ( وهو مؤمن ) ، لأن قوله : ( ومن قتل مؤمنا خطأ ) ، يعني على وصفه بالإيمان ، لأنه يستحيل أن يقول : وإن كان المؤمن المقتول خطأ من قوم عدو لكم ، وهو مؤمن .

                                                                                                                        37516 - قالوا : وكذلك قوله تعالى : ( وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق ) [ النساء : 92 ] غير مضمر فيه المؤمن الذي تقدم ذكره .

                                                                                                                        37517 - قال أبو عمر : التأويل سائغ في الآية للفريقين ، والاختلاف موجود بين السلف والخلف ، من العلماء ، في مبلغ دية الذمي .

                                                                                                                        37518 - وأصل الديات التوقيف ، ولا توقيف في ذلك إلا ما أجمعوا عليه .

                                                                                                                        37519 - وقد أجمعوا على أن أقل ما قيل فيه واجب ، واختلفوا فيما زاد ، والأصل براءة الذمة .

                                                                                                                        [ ص: 170 ] 37520 - وروى إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، في قوله تعالى : ( فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن ) [ النساء : 92 ] ، قال : يكون الرجل مؤمنا ، وقومه كفار ، فلا تكون له دية ، وفيه تحرير رقبة مؤمنة .

                                                                                                                        37521 - ( وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق ) [ النساء : 92 ] . قال : عهد ( فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة ) [ النساء : 92 ] . فلا يجب أن يؤخذ مال مسلم ، إلا بيقين .

                                                                                                                        37522 - وأقل ما قيل يقين في ذلك . وبالله التوفيق .




                                                                                                                        الخدمات العلمية