[ ص: 18 ] ذكر الفرنج دمشق وانهزامهم حصر
لما بلغ الفرنج قتل المزدقاني والإسماعيلية بدمشق عظم عليهم ذلك ، وتأسفوا على دمشق حيث لم يتم لهم ملكها ، وعمتهم المصيبة ، فاجتمعوا كلهم : صاحب القدس ، وصاحب أنطاكية ، وصاحب طرابلس ، وغيرهم من الفرنج وقمامصتهم ، ومن وصل إليهم في البحر للتجارة والزيارة ، فاجتمعوا في خلق عظيم نحو ألفي فارس ، وأما الراجل فلا يحصى ، وساروا إلى دمشق ليحصروها .
ولما سمع تاج الملوك بذلك جمع العرب ، والتركمان ، فاجتمع معهم ثمانية آلاف فارس ، ووصل الفرنج في ذي الحجة ، فنازلوا البلد ، وأرسلوا إلى أعمال دمشق لجمع الميرة والإغارة على البلاد ، فلما سمع تاج الملوك أن جمعا كثيرا قد ساروا إلى حوران لنهبه وإحضار الميرة ، سير أميرا من أمرائه يعرف بشمس الخواص في جمع من المسلمين إليهم ، وكان خروجهم في ليلة شاتية كثيرة المطر ، ولقوا الفرنج من الغد ، فواقعوهم واقتتلوا ، وصبر بعضهم لبعض ، فظفر بهم المسلمون وقتلوهم ، فلم يفلت منهم غير مقدمهم ومعه أربعون رجلا ، وأخذوا ما معهم وهي عشرة آلاف دابة موقرة وثلاثمائة أسير ، وعادوا إلى دمشق لم يمسسهم قرح .
فلما علم من عليها من الفرنج ذلك ألقى الله في قلوبهم الرعب ، فرحلوا عنها شبه المنهزمين ، وأحرقوا ما تعذر عليهم حمله من سلاح وميرة وغير ذلك ، وتبعهم المسلمون ، والمطر شديد والبرد عظيم ، يقتلون كل من تخلف منهم ، فكثر القتلى منهم ، وكان نزولهم ورحيلهم في ذي الحجة من هذه السنة .