الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر ملك غياث الدين وشهاب الدين الغوريين

لما قوي أمر عمهما علاء الدين الحسين بن الحسين استعمل العمال والأمراء [ ص: 191 ] على البلاد ، وكان ابنا أخيه ، وهما غياث الدين أبو الفتح محمد بن سام ، وشهاب الدين أبو المظفر محمد بن سام ، فيمن استعمل على بلد من بلاد الغور اسمه سنجة ، وكان غياث الدين يلقب حينئذ شمس الدين ، ويلقب الآخر شهاب الدين ، فلما استعملها أحسنا السيرة في عملهما وعدلا ، وبذلا الأموال فمال الناس إليهما ، وانتشر ذكرهما ، فسعى بهما من يحسدهما إلى عمهما علاء الدين ، وقال : إنهما يريدان الوثوب بك ، وقتلك ، والاستيلاء على الملك ; فأرسل عمهما يستدعيهما إليه ، فامتنعا وكانا قد بلغهما الخبر ، فلما امتنعا عليه جهز إليهما عسكرا مع قائد يسمى خروش الغوري ، فلما التقوا انهزم خروش ومن معه ، وأسر هو وأبقيا عليه ، وأحسنا إليه ، وخلعا عليه ، وأظهرا عصيان عمهما وقطعا خطبته ; فتوجه إليهما علاء الدين ، وساروا هما أيضا إليه ، فالتقوا واقتتلوا قتالا شديدا ، فانهزم علاء الدين وأخذ أسيرا وانهزم عسكره ، فنادى فيهم ابنا أخيه بالأمان فأحضر عمهما وأجلساه على التخت ، ووقفا في خدمته ، فبكى علاء الدين وقال : هذان صبيان قد فعلا ما لو قدرت عليه منهما لم أفعله ، ثم أحضر عمهما القاضي في الحال ، وزوج غياث الدين بنتا له ، وجعله ولي عهده ، وبقي كذلك إلى أن مات .

فلما توفي ملك غياث الدين بعده وخطب لنفسه في الغور وغزنة بالملك ، وبقي كذلك إلى أن ملك الغز غزنة بعد موت علاء الدين ، طمعوا فيها بموته ، وبقيت بأيديهم خمس عشرة سنة يصبون على أهلها العذاب ، ويتابعون الظلم كعادتهم [ في ] كل بلدة ملكوها ، ولو أنهم لما ملكوا أحسنوا السيرة في الرعايا لدام ملكهم ; فلم يزل الغز بغزنة هذه المدة ، وغياث الدين يقوي أمره ، ويحسن السيرة ، والناس يميلون إليه ويقصدونه .

التالي السابق


الخدمات العلمية