ذكر سنجر إلى غزنة ، وعوده عنها مسير السلطان
في هذه السنة في ذي القعدة سار السلطان سنجر من خراسان إلى غزنة ، وسبب ذلك أنه نقل إليه عن صاحبها بهرام شاه أنه تغير عن طاعته ، وأنه قد مد يده إلى ظلم الرعايا واغتصاب أموالهم .
وكان السلطان سنجر هو الذي ملك غزنة ، وقد ذكرناه سنة تسع وخمسمائة ، فلما سمع هذه الأخبار المزعجة سار إلى غزنة ليأخذها أو يصلحه ، فلما سلك الطريق وأبعد أدركهم شتاء شديد البرد ، كثير الثلج ، وتعذرت عليهم الأقوات والعلوفات ، فشكا العسكر إلى السلطان ذلك ، وذكروا له ما هم فيه من الضيق ، وتعذر ما يحتاجون إليه ، فلم يجدوا عنده غير التقدم أمامه ، فلما قارب غزنة أرسل بهرام شاه رسلا يضرع إلى سنجر ، ويسأل الصفح عن جرمه ، والعفو عن ذنبه ، فأرسل إليه سنجر المقرب جوهرا الخادم - وهو أكبر أمير عنده ، ومن جملة أقطاعه مدينة الري - في جواب رسالته يجيبه عن العفو عنه إن حضر عنده ، وعاد إلى طاعته ، فلما وصل إلى بهرام شاه أجابه إلى ما طلب منه من الطاعة ، وحمل المال والحضور بنفسه في خدمته ، وأظهر من [ ص: 66 ] الطاعة والانقياد لما يحكم به السلطان سنجر شيئا كثيرا .
وعاد المقرب جوهر ومعه بهرام شاه إلى سنجر ، فسبقه المقرب إلى السلطان سنجر ، وأعلمه بوصول بهرام شاه ، وأنه بكرة غد يكون عنده ، وعاد المقرب إلى بهرام شاه ليجيء بين يديه ، وركب سنجر من الغد في موكبه لتلقيه ، وتقدم بهرام شاه ومعه المقرب إلى سنجر ، فلما عاين موكب سنجر والجتر على رأسه نكص على عقبيه عائدا ، فأمسك المقرب عنانه ، وقبح فعله ، وخوفه عاقبة ذلك ، فلم يرجع ، وولى هاربا ، ولم يصدق بنجاته ظنا منه أن سنجر يأخذه ، ويملك بلده ، وتبعه طائفة من أصحابه وخواصه ، ولم يعرج على غزنة ، وسار سنجر إلى غزنة فدخلها ، وملكها ، واحتوى على ما فيها ، وجبى أموالها ، وكتب إلى بهرام شاه كتابا يلومه على ما فعله ، ويحلف له أنه ما أراد به سوءا ، ولا له في بلده مطمع ، ولا هو ممن يكدر صنيعته ، وتعقب حسنته معه بسيئة ، وإنما قصده لإصلاحه ، فأعاد بهرام شاه الجواب يعتذر ويتنصل ، ويقول : إن الخوف منعه من الحضور ، ولا لوم على من خاف مثل السلطان ، ويضرع في عوده إلى الإحسان ، فأجابه سنجر إلى إعادة بلده إليه ، وفارق غزنة عائدا إلى بلاده ، فوصل إلى بلخ في شوال سنة ثلاثين وخمسمائة ، واستقر ملك غزنة لبهرام شاه ، ورجع إليها مالكا لها ومستوليا عليها .