ذكر يحيى المهدية حصر عسكر
في هذه السنة سير يحيى بن العزيز بن حماد صاحب بجاية عسكرا ليحصروا المهدية ، وبها صاحبها الحسن بن علي بن تميم بن المعز بن باديس ، وكان سبب ذلك أن الحسن أحب ميمون بن زياد أمير طائفة كبيرة من العرب ، وزاده على سائر العرب ، فحسده العرب ، فسار أمراؤها إلى يحيى بن العزيز بأولادهم ، وجعلوهم رهائن عنده ، وطلبوا منه أن يرسل معهم عسكرا ليملكوا له المهدية ، فأجابهم إلى ذلك وهو متباطئ . فاتفق أنه وصله كتب من بعض مشايخ المهدية بمثل ذلك ، فوثق بما أتاه ، وسير عسكرا كثيفا عليهم ، وقائدا كبيرا من فقهاء أصحابه يقال له : مطرف بن حمدون .
وكان يحيى هذا هو وآباؤه يحسدون أولاد المنصور أبي الحسن هذا ، فسارت العساكر الفارس والراجل ، ومعهم من العرب جمع كثير حتى نزلوا على المهدية وحصروها برا وبحرا .
وكان مطرف يظهر التقشف والتورع عن الدماء ، وقال : إنما أتيت الآن لأتسلم البلد بغير قتال ، فخاب ظنه ، فبقي أياما لا يقاتل ، ثم إنهم باشروا القتال فظهر أهل المهدية عليهم وأثروا فيهم ، وتوالى القتال ، وفي كل ذلك الظفر لأهل البلد ، وقتل من الخارجين جم غفير .
وجمع مطرف عسكره وزحف برا وبحرا لما يئس من التسليم ، وقاتل أشد قتال ، فملكت شوانيه شاطئ البحر ، وقربوا من السور ، فاشتد الأمر فأمر الحسن بفتح الباب من الشاطئ ، وخرج أول الناس ، وحمل هو ومن معه عليهم وقال :
أنا الحسن ! فلما سمع من يقاتله دعواه سلموا عليه ، وانهزموا عنه إجلالا له ، ثم أخرج الحسن [ ص: 68 ] شوانيه تلك الساعة من الميناء ، فأخذ من تلك الشواني أربع قطع ، وهزم الباقي .
ثم وصلته نجدة من رجار الفرنجي صاحب صقلية في البحر في عشرين قطعة ، فحصرت شواني صاحب بجاية ، فأمرهم الحسن بإطلاقها فأطلقوها ، ثم وصل ميمون بن زياد في جمع كثير من العرب لنصرة الحسن ، فلما رأى ذلك مطرف ، وأن النجدات تأتي الحسن في البر والبحر علم أنه لا طاقة له بهم ، فرحل عن المهدية خائبا ، وأقام رجار الفرنجي مظهرا للحسن أنه مهادنه وموافقه ، وهو مع ذلك يعمر الشواني ويكثر عددها .