ذكر السلطان مسعود إلى العراق ، وتفرق أصحاب الأطراف ، ومسير الراشد بالله إلى الموصل ، وخلعه وصول
لما بلغ السلطان مسعودا اجتماع الملوك والأمراء ببغداد على خلافه [ ص: 76 ] والخطبة للملك داود ابن أخيه السلطان محمود ، جمع العساكر ، وسار إلى بغداد ، فنزل بالمالكية ، فسار بعض العسكر حتى شارفوا عسكره وطاردوهم ، وكان في الجماعة زين الدين علي أمير من أمراء الأتابك زنكي ثم عادوا ، ووصل السلطان فنزل على بغداد وحصرها وجميع العساكر فيها .
وثار العيارون ببغداد وسائر محالها ، وأفسدوا ، ونهبوا ، وقتلوا ، حتى إنه وصل صاحب ومعه كتب ، فخرجوا عليه ، وأخذوها منه ، وقتلوه ، فحضر جماعة من أهل المحال عند لأتابك زنكي ، وأشاروا عليه بنهب المحال الغربية ، فليس فيها غير عيار ومفسد ، فامتنع من ذلك ، ثم أرسل بنهب الحريم الأتابك زنكي الطاهري ، فأخذ منه من الأموال الشيء الكثير ، وسبب ذلك أن العيارين [ كثروا ] فيه وأخذوا أموال الناس .
ونهبت العساكر غير الحريم من المحال ، وحصرهم السلطان نيفا وخمسين يوما فلم يظفر بهم ، فعاد إلى النهروان عازما على العود إلى همذان ، فوصله طرنطاي صاحب واسط ومعه سفن كثيرة ، فعاد إليها ، وعبر فيها إلى غربي دجلة ، وأراد العسكر البغدادي منعه ، فسبقهم إلى العبور ، واختلفت كلمتهم ، فعاد الملك داود إلى بلاده في ذي القعدة ، وتفرق الأمراء .
وكان عماد الدين زنكي بالجانب الغربي فعبر إليه الخليفة الراشد بالله ، وسار معه إلى الموصل في نفر يسير من أصحابه ، فلما سمع السلطان مسعود بمفارقة الخليفة وزنكي بغداد سار إليها واستقر بها ، ومنع أصحابه من الأذى والنهب .
وكان وصوله منتصف ذي القعدة ، فسكن الناس واطمأنوا بعد الخوف الشديد ، وأمر فجمع القضاة والشهود والفقهاء ، وعرض عليهم اليمين التي حلف بها الراشد بالله لمسعود ، وفيها بخط يده :
إني متى جندت أو خرجت أو لقيت أحدا من أصحاب السلطان بالسيف ، فقد خلعت نفسي من الأمر ، فأفتوا بخروجه من الخلافة ، وقيل غير ذلك ، ( وسنذكره في خلافة ) . المقتفي لأمر الله
وكان ، وصاحب المخزن الوزير شرف الدين علي بن طراد كمال الدين [ ص: 77 ] بن البقشلامي ، قد حضروا مع السلطان لأنهم كانوا عنده مذ أسرهم مع وابن الأنباري المسترشد بالله ، فقدحوا في الراشد ، ووافقهم على ذلك جميع أصحاب المناصب ببغداد ، واتفقوا على ذمه ، فتقدم السلطان بخلعه وإقامة من يصلح للخلافة ، فخلع وقطعت خطبته في بغداد في ذي القعدة وسائر البلاد .
وكانت خلافته أحد عشر شهرا ، وأحد عشر يوما ، وقتله الباطنية على ما نذكره إن شاء الله تعالى .