[ ص: 273 ] ذكر المؤيد بخراسان هذه السنة أحوال
قد ذكرنا ثلاث وخمسين [ وخمسمائة ] عود المؤيد " أي أبه " إلى نيسابور ، وتمكنه منها ، وأن ذلك كان سنة أربع وخمسين ، فلما دخلت سنة خمس وخمسين وخمسمائة ، ورأى المؤيد تحكمه في نيسابور وتمكنه في دولته ، وكثرة جنده وعسكره ، أحسن السيرة في الرعية ، لا سيما أهل نيسابور ، فإنه جبرهم وبالغ في الإحسان إليهم ، وشرع في إصلاح أعمالها وولاياتها ، فسير طائفة من عسكره إلى ناحية أسقيل ، وكان بها جمع قد تمردوا وأكثروا العيث والفساد في البلاد ، وطال تماديهم في طغيانهم ، فأرسل إليهم المؤيد يدعوهم إلى ترك الشر والفساد ومعاودة الطاعة والصلاح ، فلم يقبلوا ، ولم يرجعوا عما هم عليه ، فسير إليهم سرية كثيرة ، فقاتلوهم ، وأذاقوهم عاقبة ما صنعوا ، فأكثروا القتل فيهم ، وخربوا حصنهم .
وسار المؤيد من نيسابور إلى بيهق ، فوصلها رابع عشر ربيع الآخر من السنة ، وقصد منها حصن خسروجرد ، وهو حصن منيع بناه كيخسرو الملك قبل فراغه من قتل أفراسياب ، وفيه رجال شجعان ، فامتنعوا على المؤيد ، فحصرهم ونصب عليهم المجانيق ، وجد في القتال ، فصبر أهل الحصن حتى نفذ صبرهم ، ثم ملك المؤيد القلعة وأخرج كل من فيها [ ورتب فيها ] من يحفظها ، وعاد منها إلى نيسابور في الخامس والعشرين من جمادى الأولى من السنة .
ثم سار إلى هراة ، فلم يبلغ منها غرضا ، فعاد إلى نيسابور ، وقصد مدينة كندر ، وهي من أعمال طريثيث ، وقد تغلب عليها رجل اسمه أحمد كان خربندة ، واجتمع معه جماعة من الرنود وقطاع الطريق والمفسدين ، فخربوا كثيرا من البلاد ، وقتلوا كثيرا من الخلق ، وغنموا من الأموال ما لا يحصى .
وعظمت المصيبة بهم على خراسان ، وزاد البلاء ، فقصدهم المؤيد ، فتحصنوا بالحصن الذي لهم ، فقوتلوا أشد قتال ، ونصب عليهم العرادات والمنجنيقات ، فأذعن هذا الخربندة أحمد إلى طاعة المؤيد والانخراط في سلك أصحابه وأشياعه ، فقبله أحسن قبول ، وأحسن إليه وأنعم عليه .
[ ص: 274 ] ثم إنه عصى على المؤيد ، وتحصن بحصنه ، فأخذه المؤيد منه قهرا وعنوة ، وقيده ، واحتاط عليه ، ثم قتله وأراح المسلمين منه ومن شره وفساده .
وقصد المؤيد في شهر رمضان ناحية بيهق عازما على قتالهم لخروجهم عن طاعته ، فلما قاربها أتاه زاهد من أهلها ودعاه إلى العفو عنهم ، والحلم عن ذنوبهم ، ووعظه وذكره ، فأجاب إلى ذلك ورحل عنهم ، فأرسل السلطان ركن الدين محمود بن محمد الخان إلى المؤيد بتقرير نيسابور وطوس وأعمالها عليه ، ورد الحكم فيها إليه ، فعاد إلى نيسابور رابع ذي القعدة من السنة ، ففرح الناس بما تقرر بينه وبين الملك محمود وبين الغز من إبقاء نيسابور عليه ليزول الخلف والفتن عن الناس .