في ذي الحجة من هذه السنة فتح قلعة نور الدين محمود بانياس ، وهي بالقرب من دمشق ، وكانت بيد الفرنج من سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة ، ولما فتح حارم أذن لعسكر الموصل وديار بكر بالعود إلى بلادهم ، وأظهر أنه يريد طبرية ، فجعل من بقي من الفرنج همتهم حفظها وتقويتها ، فسار محمود إلى بانياس لعلمه بقلة من فيها من الحماة المانعين عنها ، ونازلها ، وضيق عليها وقاتلها ، وكان في جملة عسكره أخوه نصرة الدين أمير أميران ، فأصابه سهم فأذهب إحدى عينيه ، فلما رآه نور الدين قال له : لو كشف لك عن الأجر الذي أعد لك لتمنيت ذهاب الأخرى . وجد في حصارها ، فسمع الفرنج ، فجمعوا ، فلم تتكامل عدتهم ، حتى فتحها ، على أن الفرنج كانوا قد ضعفوا بقتل رجالهم بحارم وأسرهم ، فملك القلعة ، وملأها ذخائر ، وعدة ، ورجالا ، وشاطر الفرنج في أعمال طبرية ، وقرروا له على الأعمال التي لم يشاطرهم عليها مالا في كل سنة .
ووصل خبر ملك حارم وحصر بانياس إلى الفرنج بمصر ، فصالحوا شيركوه ، وعادوا ليدركوا بانياس ، فلم يصلوا إلا وقد ملكها ، ولما عاد منها إلى دمشق كان بيده [ ص: 311 ] خاتم بفص ياقوت من أحسن الجوهر ، وكان يسمى الجبل لكبره وحسنه ، فسقط من يده في شعاري بانياس ، وهي كثيرة الأشجار ملتفة الأغصان ، فلما أبعد عن المكان الذي ضاع فيه علم به ، فأعاد بعض أصحابه في طلبه ، ودلهم على المكان الذي كان آخر عهده به فيه ، وقال : أظن هناك سقط ، فعادوا إليه ، فوجدوه ، فقال بعض الشعراء الشاميين أظنه ابن منير يمدحه ، ويهنئه بهذه الغزاة ، ويذكر الجبل الياقوت :
إن يمتر الشكاك فيك فإنك ال مهدي مطفي جمرة الدجال فلعودة الجبل الذي أظللته
بالأمس بين غياطل وجبال لم يعطها إلا سليمان وقد
نبت الربا بموشك الإعجال رحرحرى لسرير ملكك إنه
كسريره عن كل حد عال فلو البحار السبعة استهوينه
وأمرتهن قذفنه في الحال