، وأما عندنا ، وقال الحيوان ، فلا يجوز استقراض شيء منه يجوز ذلك إلا في الجواري ; لما روي { الشافعي } ; ولأن الحيوان مما يثبت دينا في الذمة ، أما عندي في السلم ، وعند الكل في النكاح ، والخلع ، والصلح في دم العمد فيجوز استقراضه كالمكيل ، والموزون ، وهذا ; لأن القرض موجبه ملك المقبوض بعينه وثبوت مثله في الذمة ، والحيوان محتمل فلما كان ذلك محلا لموجب القرض كان الاستقراض جائز ، إلا أن الجواري لا أجوز الاستقراض كما لا أجوز السلم على أحد القولين ، وعلى القول الذي يجوز السلم فيه الفرق ، أن المقصود في الجواري ملك المتعة ، وعقد المعاوضة مشروع لإثبات ملك المتعة ، وأما القرض فبذل بطريق التبرع ، وملك المتعة لا يثبت بطريق التبرع ، ولا مدخل للتبرع فيه ; فلهذا لا يجوز فيه الاستقراض ، بخلاف سائر الحيوانات ، فإنما هو المقصود لما يعمل فيه البدل ، ويثبت بطريق التبرع فيجوز استقراضه ، وحجتنا في ذلك أن هذا غير مضمون بالقيمة على مستهلكه ، فلا يجوز استقراضه كالجواري ، ولهذا تبين أنه لا يمكن إثبات الحيوان دينا في الذمة بمقابلة ما هو مال ، مع اعتبار المعادلة في المالية ; لأنه لا يصار في المستهلكات إلى القيمة إلا عند تعذر إيجاب المثل ، وموجب القرض ثبوت المثل في الذمة بشرط المعادلة في المماثلة ، فإذا تعذر ذلك في الحيوان لم يجز استقراضه ، وبه فارق ثبوت الحيوان في الذمة بدلا عما ليس بمال ; لأن ذلك ليس شرط المعادلة في المماثلة ، مع أنه لا يثبت في الذمة ثبوتا صحيحا حتى لو أتاها بالقيمة أجبرت على قبوله ، ولا مدخل لذلك في القرض ابتداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استقرض بكرا ، ورد رباعيا وقال : خيركم أحسنكم قضاء
وعذره في الجواري فاسد ; لأن المقصود ملك العين والمالية ، وذلك يعمل فيه البدل ، ويثبت بطريق التبرع ، ألا ترى أن ملك العين والمالية يثبت فيها بدون ملك المنفعة ، وهو ما إذا كانت أخته من الرضاعة ، أو منكوحة الغير ; ولأن الحيوان تنفصل منفعته عن عينه ، والاستقراض لا يجوز في مثله كالحر ، وتحقيقه ما قلنا : إن الإقراض بمنزلة الإعارة ، ففيما تنفصل المنفعة فيه عن العين تتأتى حقيقة الإعارة ، فلا حاجة إلى تصحيح [ ص: 33 ] الإقراض فيه ، وأما الحديث فإنما استقرض رسول الله صلى الله عليه وسلم لبيت المال حتى روي أنه قضاه من إبل الصدقة ، وما كان يقضي ما استقرضه لنفسه من إبل الصدقة ، وبيت المال يثبت له ، وعليه حقوق مجهولة ، وقيل : كان استسلف في الصدقة بكرا فإن الاستسلاف ، والاستقراض يتفاوت ، ثم لم تجب الزكاة على صاحب المال فرده بعد ما صار رباعيا ، وقيل : هذا كان وقت كان الحيوان مضمونا بالمثل ، ثم انتسخ ذلك كما بيناه في أول الغصب فإن قبض الحيوان بحكم القرض وجب عليه رده ، ولو باعه نفذ بيعه ، وعليه ضمان قيمته ; لأن المقبوض بحكم قرض فاسد بمنزلة المقبوض بحكم بيع فاسد ; إذ الفاسد معتبر بالجائز ; لأنه لا يمكنه أن يجعل الفاسد أصلا في معرفة حله ; لأن الشرع لا يرد به فلا بد من اعتباره بالجائز ، وكذلك العقار ، والثياب الاستقراض فيها كالاستقراض في الحيوان ، وفرق علماؤنا - رحمهم الله - بين السلم ، والقرض في الثياب فقالوا : الثياب لا تثبت في الذمة ثبوتا صحيحا إلا مؤجلا ، والقرض لا يكون إلا حالا ، وحقيقة المعنى فيه أن المعتبر في المسلم فيه إعلام المالية على وجه لا يبقى فيه تفاوت إلا يسيرا ليكون المقصود بالعقد معلوما للعاقد ، وذلك في الثياب بذكر الوصف ممكن أما في باب القرض فالشرط اعتبار المماثلة في العين المقبوضة وصفة المالية ، وذلك لا يوجد في الثياب بدليل أنها لا تضمن بالمثل عند الاستهلاك ; فلهذا لا يجوز الاستقراض فيها . .