الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإذا شهد رجلان للبائع ، والمشتري على الشفيع أنه قد سلم الشفعة وشهد رجلان للشفيع أن البائع ، والمشتري سلما الدار قضيت بها للذي هي في يده وهذا بمنزلة رجلين اختصما في دار كل واحد منهما يدعي أنه اشتراها من صاحبه بألف درهم ونقد الثمن فإني أقضي بها للذي هي في يده وهذه مسألة التهاتر ، وقد بينا في كتاب الدعوى أن عند أبي حنيفة وأبي يوسف تتهاتر البينتان وعند محمد يقضي بالبينتين بحسب الإمكان ، فمن أصحابنا من يقول : مسألة الشفعة [ ص: 124 ] على الخلاف أيضا ، وإن لم ينص عليه ; لأن كل واحد منهما يثبت بينة الملك لنفسه على صاحبه بسبب يصرح به شهوده

قال الشيخ الإمام : والأصح عندي أن جواب مسألة الشفعة قولهم جميعا ، وأن هذا ليس نظير مسألة التهاتر ، فإن هناك محمدا يقضي بالبينتين بتاريخ بينة بين الشراءين ، واليد دليل ذلك التاريخ ، ولا يتأتى مثل ذلك هنا وأبو حنيفة وأبو يوسف يقولان بالتهاتر ; لأن كل واحد منهما يثبت إقرار صاحبه بالملك له وكل بائع مقر بوقوع الملك للمشتري ، وذلك لا يوجد هنا ، فالشفيع بتسليم الشفعة لا يصير مقرا بالملك للبائع ، ولا للمشتري ، ولكن وجه هذه المسألة أن تسليم المشتري الدار بالشفعة للشفيع يحتمل الفسخ وتسليم الشفيع الشفعة لا يحتمل الفسخ بحال ، فإنه بعد ما سلم الشفعة لا يعود حقه ، وإن اتفقا عليه ، والبينتان متى تعارضتا وإحداهما تحتمل الفسخ ، والأخرى لا تحتمل الفسخ فما لا يحتمل الفسخ يترجح كما لو أقام البينة على أنه اشترى هذا العبد من مولاه وأقام العبد البينة أن مولاه أعتقه يوضحه إنما يجعل كأن الأمرين كانا ، فإن كان الشفيع سلم الشفعة أولا ، ثم سلمها المشتري له فما لم يخرجه من يده لا يتم التسليم وبعد الإخراج يكون هذا بمنزلة البيع المبتدإ فيقضى بها للشفيع إذا كانت في يديه ، وإن كان المشتري سلمها إلى الشفيع أولا وقبضها الشفيع ، ثم سلم شفعته فتسليمه باطل ; لأن استيفاء حقه قد تم ; فلهذا قضي بالدار لذي اليد ، وإن كان المشتري قد قبض الدار فشهد ابنا البائع أن المشتري قد سلمها للشفيع ، وهي في يدي المشتري وشهدا أجنبيان أن الشفيع قد سلمها للمشتري فإني أسلمها للمشتري واختيار شهادة الشهود على تسليم الشفعة لوجهين أحدهما ما بينا أن تسليم الشفعة لا يحتمل الفسخ بخلاف تسليم الدار إلى الشفيع ، والثاني أن بني البائع يتهمان في شهادتهما بتبعيد الخصومة ، والعهدة عن أبيهما ; لأن المشتري يخاصم أباهما في عيب يجده بالدار قبل أن يسلمها إلى الشفيع ، ولا يخاصمه في ذلك بعد ما سلمها بالشفعة إلى الشفيع ; فلهذا لا تقبل شهادة ابني البائع هنا .

التالي السابق


الخدمات العلمية