الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
، ولا شفعة فيما إذا باع أحد الشركاء نصيبه ، وهنا بالأخذ تزداد مؤنة المقاسمة على الباقين ، وإنما يندفع عنهم [ ص: 96 ] سوء مجاورة المشتري ; ولهذا لا تثبت للجار المقابل ; لأن سوء المجاورة لا يتحقق إذا لم يكن ملك أحدهما متصلا بملك الآخر ، ولا شركة بينهما في حقوق الملك على أنا نقول حق الأخذ بالشفعة له ; ليترفق به من حيث توسع الملك ، والمرافق ، وهذا في الجار الملاصق يتحقق ; لإمكان جعل إحدى الدارين من مرافق الدار الأخرى ، أو لا يتحقق ذلك في الجار المقابل ; لعدم إمكان جعل إحدى الدارين من مرافق الدار الأخرى بطريق نافذ بينهما حتى إذا كانتا في سكة غير نافذة تثبت الشفعة للكل ; لإمكان جعل بعضها من مرافق البعض بأن تجعل الدور كلها دارا واحدة ، ولكن مع هذا ، الشريك مقدم عندنا ; لأن سبب الاستحقاق القرب ، والاتصال ، وذلك في حقه أقوى لوجود الاتصال بكل جزء من المبيع بجزء من ملكه ، ثم بعده للشريك في الطريق لزيادة الاتصال في حقه على الجار وقوة السبب توجب الترجيح ; ولأن الشريك يدفع بالأخذ ضرر سوء المجاورة ومؤنة المقاسمة عن نفسه

وقد بينا أن الحاجة إلى دفع ضرر مؤنة المقاسمة لا يصلح علة للاستحقاق فتكون علة للترجيح ; لأن الترجيح أبدا بما لا يكون علة الاستحقاق ألا ترى أن الأخ لأب وأم مع الأخ لأب إذا اجتمعا يترجح الأخ لأب وأم في العصوبة بسبب قرابة الأم ، والعصوبة لا تستحق بقرابة الأم ، ثم الترجيح يقع بها فهذا مثله وتفسير ما قلنا في منزل مشترك بين اثنين في دار هي في سكة غير نافذة إذا باع أحد الشريكين نصيبه من المنزل ، فالشريك في المنزل أحق بالشفعة ، فإذا سلم ، فالشركاء في الدار أحق بالشفعة من الشركاء في السكة ; لأنهم أميز قربا للشركة بينهم في صحن الدار ، فإن سلموا فأهل السكة أحق بالشفعة في الشركة في الطريق ، فإن سلموا ، فالجار الملاصق ، وهذا الذي على ظهر هذا المنزل وباب داره في سكة أخرى ، وقد روي عن أبي يوسف أن مع وجود الشريك لا شفعة لأحد سواء سلم أو استوفى ; لأنهم محجوبون لحق الشريك ، وقد ثبت حقه سواء استوفى ، أو سلم ، ولكن في ظاهر الرواية الشريك مقدم ، وقد ثبت حق الجار مع الشريك لتقرر السبب في حقه ، إلا أن حق الشريك كان مقدما ، فإذا سلم كان للجار أن يستوفي كحق غرماء الصحة مع غرماء المرض في التركة ، فإنه إذا استحق أسقط حقهم بالإبراء كانت التركة لغرماء المرض بديونهم ; لأن سبب استحقاقهم ثابت ; ولهذا قلنا ينبغي للجار أن يطلب الشفعة إذا علم بالبيع مع الشريك تمكن من أخذه ، فإن لم يطلب بعد علمه حتى يسلم الشريك ، فلا حق له بعد ذلك ، وإن كان فناء منفرج من الطريق الأعظم راجعا عن الطريق ، أو زقاق ، أو درب غير نافذ [ ص: 97 ] فيه دور فبيعت دار منها فأصحاب الدور شفعاء جميعا ; لأنهم شركاء في الفناء ، والطريق ، فإن سلم هؤلاء الشفعة ، فالجار الملاصق أحق منهم بالشفعة ، وقد قال بعض أصحابنا : فناء الدار مملوك لصاحب الدار ، والأصح أنه حقه ، وليس بمملوك له ; لأن ملكه في الدار ، والدار ما أدير عليه الحائط ، والفناء اسم لصحن وراء ذلك يكون معدا لإيقاف الدواب وكسر الحطب وغير ذلك ، فإن كان ذلك في سكة غير نافذة ، فهو حق أصحاب السكة بمنزلة الطريق الخاصة لهم ، أو ملك مشترك بينهم وفي هذه الشركة الجار الملاصق ، والمقابل سواء .

التالي السابق


الخدمات العلمية