الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
إن كان بمحضر من الشهود ينبغي له أن يشهدهم على طلبه ثم يتوجه إلى من في يده الدار ، أو إلى موضع الدار فيشهد على الطلب أيضا على ما نبينه إن شاء الله تعالى ، وكذلك لو لم يكن بحضرته أحد حين سمع ينبغي له أن يطلب الشفعة ، فالطلب صحيح من غير إشهاد ، والإشهاد لمخافة الجحود فينبغي له أن يطلب حتى إذا حلفه المشتري أمكنه أن يحلف أنه طلبها كما سمع ، ثم يأتي إلى موضع الشهود فيشهدهم على الطلب ويسمى [ ص: 118 ] هذا طلب المواثبة ، ثم يأتي إلى من في يده الدار فيشهد على الطلب عنده أيضا ويسمى هذا طلب التقرير ، وهو على حقه بعد هذا ، وإن طالت الخصومة بينهما وإن أثبت ذلك في ديوان القاضي ، فهو أبلغ في العذر ، فإن شغله شيء ، أو عرض له سفر بعد إشهاده على طلب التقرير ، فهو على شفعته ، وهذا قول أبي حنيفة وهو القياس ; لأن حقه قد تقرر بالطلب ، فلا يسقط بعد ذلك ، إلا بإسقاطه صريحا ، أو دلالة ، وعن محمد أنه إذا ترك ذلك شهرا بطلت شفعته استحسانا ; لأنه لو لم يسقط حقه تضرر به المشتري ، فإنه يتعذر عليه التصرف مخافة أن ينقض الشفيع تصرفه ، والضرر مدفوع ، وإنما قدر ذلك بالشهر ; لأن الشهر في حكم الأجل وما دونه عاجل بدليل مسألة اليمين لتقصير حقه عاجلا فقضاؤه فيما دون الشهر بر في يمينه

وعن أبي يوسف إذا ترك الخصومة في مجلس من مجالس القاضي تبطل شفعته حتى إن كان القاضي يجلس في كل ثلاثة أيام ، فإذا مضى مجلس من مجالسه ولم يخاصم الشفيع فيه اختيارا بطلت شفعته ، وإن سلم الشفعة على مال ، فالتسليم جائز ويرد المال على صاحبه ; لأنه أسقط حقه مختارا ورضي بجواره ، ولكنه طمع في غير مطمع وهو المال ، فإنه لا يستحق المال ، إلا بمقابلة ملك له وحق الشفعة ليس بملك له ، فلا يستوجب بمقابلة إسقاطه المال وتسليم الشفعة لا تتعلق بالشرط ، فالشرط الفاسد وهو المال فيه لا يمنع صحة التسليم أيضا ، وكذلك لو باع شفعته بمال ; لأن البيع تمليك مال بمال وحق الشفعة لا يحتمل التمليك فيصير كلامه عبارة عن الإسقاط مجازا كبيع الزوج زوجته من نفسها وفي الكتاب لا ، بل لا قيمة للشفعة على كل حال ، ولا يجوز أن يؤخذ عنها مال بمنزلة الكفالة بالنفس ، وقد بيناه في شرح كتاب الكفالة أنه لو أبرأ الكفيل بالنفس على مال لا يجب المال وفي براءة الكفيل هناك روايتان وإنما استشهد بالكفالة لبيان أنه لا يستحق العوض عن الحق الذي ليس بملك متقوم ( وهذا بخلاف ) الاعتياض عن ملك النكاح في زوجته بالخلع ، وعن القصاص بالصلح ، وعن إسقاط الرق بالعتق ( فذلك كله ملك ) متقرر له في المحل شرعا وكما يجوز أن يلتزم العوض ليثبت الملك له يجوز أن يأخذ العوض ليبطل ملكه ، فأما الشفيع ليس يتملك على المشتري شيئا قبل الأخذ فتسلمه الشفعة ترك التعرض منه للمالك في ملكه ، وليس فيه إبطال ملك ثابت ، فلا يستحق بمقابلته عوضا عليه ، ثم هذا على ثلاثة أوجه أحدها أن يسلم على مال سمي ، والثاني أن يصالح المشتري على أن يأخذ منه نصف الدار بنصف الثمن فهذا صحيح ويكون مسقطا لحقه فيما زاد على النصف ; لأنه أخذ بعض حقه بما يخصه من البدل ، وذلك جائز اعتبارا [ ص: 119 ] للبعض بالكل ، والثالث لو صالحه على بيت بعينه من الدار بحصته من الثمن فهذا الصلح باطل ; لأن حصة البيت من الثمن غير معلومة ، وهو على شفعته ; لأنه ما رضي بإسقاط حقه ، وإنما أظهر الرغبة في أخذ مقدار ما يحتاج إليه من الدار فكان على شفعته في جميع الدار .

التالي السابق


الخدمات العلمية