الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
، وأما الحيوان ، فلا يجوز استقراض شيء منه عندنا ، وقال الشافعي يجوز ذلك إلا في الجواري ; لما روي { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استقرض بكرا ، ورد رباعيا وقال : خيركم أحسنكم قضاء } ; ولأن الحيوان مما يثبت دينا في الذمة ، أما عندي في السلم ، وعند الكل في النكاح ، والخلع ، والصلح في دم العمد فيجوز استقراضه كالمكيل ، والموزون ، وهذا ; لأن القرض موجبه ملك المقبوض بعينه وثبوت مثله في الذمة ، والحيوان محتمل فلما كان ذلك محلا لموجب القرض كان الاستقراض جائز ، إلا أن الجواري لا أجوز الاستقراض كما لا أجوز السلم على أحد القولين ، وعلى القول الذي يجوز السلم فيه الفرق ، أن المقصود في الجواري ملك المتعة ، وعقد المعاوضة مشروع لإثبات ملك المتعة ، وأما القرض فبذل بطريق التبرع ، وملك المتعة لا يثبت بطريق التبرع ، ولا مدخل للتبرع فيه ; فلهذا لا يجوز فيه الاستقراض ، بخلاف سائر الحيوانات ، فإنما هو المقصود لما يعمل فيه البدل ، ويثبت بطريق التبرع فيجوز استقراضه ، وحجتنا في ذلك أن هذا غير مضمون بالقيمة على مستهلكه ، فلا يجوز استقراضه كالجواري ، ولهذا تبين أنه لا يمكن إثبات الحيوان دينا في الذمة بمقابلة ما هو مال ، مع اعتبار المعادلة في المالية ; لأنه لا يصار في المستهلكات إلى القيمة إلا عند تعذر إيجاب المثل ، وموجب القرض ثبوت المثل في الذمة بشرط المعادلة في المماثلة ، فإذا تعذر ذلك في الحيوان لم يجز استقراضه ، وبه فارق ثبوت الحيوان في الذمة بدلا عما ليس بمال ; لأن ذلك ليس شرط المعادلة في المماثلة ، مع أنه لا يثبت في الذمة ثبوتا صحيحا حتى لو أتاها بالقيمة أجبرت على قبوله ، ولا مدخل لذلك في القرض ابتداء

وعذره في الجواري فاسد ; لأن المقصود ملك العين والمالية ، وذلك يعمل فيه البدل ، ويثبت بطريق التبرع ، ألا ترى أن ملك العين والمالية يثبت فيها بدون ملك المنفعة ، وهو ما إذا كانت أخته من الرضاعة ، أو منكوحة الغير ; ولأن الحيوان تنفصل منفعته عن عينه ، والاستقراض لا يجوز في مثله كالحر ، وتحقيقه ما قلنا : إن الإقراض بمنزلة الإعارة ، ففيما تنفصل المنفعة فيه عن العين تتأتى حقيقة الإعارة ، فلا حاجة إلى تصحيح [ ص: 33 ] الإقراض فيه ، وأما الحديث فإنما استقرض رسول الله صلى الله عليه وسلم لبيت المال حتى روي أنه قضاه من إبل الصدقة ، وما كان يقضي ما استقرضه لنفسه من إبل الصدقة ، وبيت المال يثبت له ، وعليه حقوق مجهولة ، وقيل : كان استسلف في الصدقة بكرا فإن الاستسلاف ، والاستقراض يتفاوت ، ثم لم تجب الزكاة على صاحب المال فرده بعد ما صار رباعيا ، وقيل : هذا كان وقت كان الحيوان مضمونا بالمثل ، ثم انتسخ ذلك كما بيناه في أول الغصب فإن قبض الحيوان بحكم القرض وجب عليه رده ، ولو باعه نفذ بيعه ، وعليه ضمان قيمته ; لأن المقبوض بحكم قرض فاسد بمنزلة المقبوض بحكم بيع فاسد ; إذ الفاسد معتبر بالجائز ; لأنه لا يمكنه أن يجعل الفاسد أصلا في معرفة حله ; لأن الشرع لا يرد به فلا بد من اعتباره بالجائز ، وكذلك العقار ، والثياب الاستقراض فيها كالاستقراض في الحيوان ، وفرق علماؤنا - رحمهم الله - بين السلم ، والقرض في الثياب فقالوا : الثياب لا تثبت في الذمة ثبوتا صحيحا إلا مؤجلا ، والقرض لا يكون إلا حالا ، وحقيقة المعنى فيه أن المعتبر في المسلم فيه إعلام المالية على وجه لا يبقى فيه تفاوت إلا يسيرا ليكون المقصود بالعقد معلوما للعاقد ، وذلك في الثياب بذكر الوصف ممكن أما في باب القرض فالشرط اعتبار المماثلة في العين المقبوضة وصفة المالية ، وذلك لا يوجد في الثياب بدليل أنها لا تضمن بالمثل عند الاستهلاك ; فلهذا لا يجوز الاستقراض فيها . .

التالي السابق


الخدمات العلمية