الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
قال : وإذا اشترى ألف درهم بمائة دينار فنقد الدنانير وقال الآخر : اجعل الدراهم قصاصا بالدراهم التي لي عليك فهو جائز ، وإن أبى لم يجبر على ذلك ، ولم يكن قصاصا ، والحاصل أن المقاصة بدل الصرف بدين سبق وجوبه على عقد الصرف يجوز عندنا - استحسانا - إذا اتفقنا عليه ، وفي القياس لا تجوز ، وهو قول زفر ; لأن بالعقد المطلق يصير قبض البدلين في المجلس مستحقا ، وفي المقاصة تفويت القبض المستحق بالعقد ، فلا يجوز بتراضيهما كما لا يجوز الإبراء عن بدل الصرف ، والاستبدال به ، وهذا لأن في المقاصة يكون آخر الدينين قضاء عن أولهما ، ولا يكون أولهما قضاء عن آخرهما ; لأن القضاء يتلو الوجوب ولا يسبقه فلو جوزنا هذه المقاصة صار قاضيا ببدل الصرف الدين الذي كان واجبا ، وبدل الصرف يجب قبضه ولا يجوز قضاء دين آخر به ، والدليل عليه رأس مال السلم فإنهما لو جعلاه قصاصا بدين سبق وجوبه لم يجز فكذلك بدل الصرف لأن كل واحد منهما دين مستحق قبضه في المجلس ، ووجه الاستحسان أنهما لما اتفقا فقد حولا عقد الصرف إلى ذلك الدين ، ولو أضافا العقد [ ص: 20 ] إليه في الابتداء جاز بأن يشتري بالعشرة التي عليه دينارا ويقبض الدينار في المجلس فكذلك إذا حولا العقد إليه في الانتهاء ; لأنهما قصدا تصحيح هذه المقاصة ، فلا طريق له سوى هذا ، وما لا يتوصل إلى المقصود إلا به يكون مقصود الكل واحدا ، ولهذا شرطنا تراضيهما على المقاصة ، وإن كان في سائر الديون المقاصة تقع بدون التراضي ; لأن هذا تحويل العقد إلى ذلك الدين ، والعقد قد تم بهما فالتصرف به بالتحويل لا يكون إلا بتراضيهما ، وعند التراضي العقد القائم بينهما حقهما ، ويملكان استدامته ورفعه فيملكان التصرف فيه بالتحويل من محل إلى محل

وهذا خير مما يقوله العراقيون - رحمهم الله - إن عند اتفاقهما على المقاصة يجعل كأنهما فسخا العقد الأول ، ثم جدداه مضافا إلى ذلك الدين ; لأنه لو كان الطريق هذا لم يجز ; لأنه بالإقالة يصير رد المقبوض مستحقا في المجلس ، والدليل عليه أنهما لو جعلا بدل الصرف قصاصا بدين تأخر وجوبه عن عقد الصرف لا يجوز في ظاهر الرواية ، ولو كان التصحيح بطريق الفسخ للعقد الأول لجاز ، والدين المتقدم والمتأخر في ذلك سواء ، وإنما الفرق بينهما على الطريق الأول أنهما يملكان تحويل العقد إلى ما كان يصلح منهما إضافة العقد إليه في الابتداء ، وذلك في الدين الذي سبق وجوبه على عقد الصرف دون ما تأخر وجوبه عنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية