الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإذا أخذ الشفيع الدار من المشتري فعهدته وضمان ماله على المشتري ; لأنه يتملك الدار عليه ويدفع الثمن إليه ، فهو في حقه بمنزلة البائع مع المشتري ، فإن قيل حق الشفيع مقدم على حق المشتري شرعا فينبغي أن يجعل أخذ الشفيع من يده بمنزلة الاستحقاق عليه ; لأنه يأخذ بحق مقدم على حقه قلنا نعم حقه مقدم ، ولكن ثبوت حقه بالسبب الذي يثبت به حق المشتري ، وهو الشراء إذ بأخذه لا يبطل ذلك السبب بخلاف الاستحقاق بدعوى الملك ، فإذا بقي السبب وتأكد بقبض المشتري لم يمكن أن يجعل الشفيع متملكا على البائع ; لأنه لا ملك له ، ولا يد حتى قضي له بالشفعة ، فلا بد أن يجعل متملكا على المشتري مستحقا عليه يده ; فلهذا كانت عهدته على المشتري كما لو اشتراها ابتداء منه وإن أخذها من البائع ودفع الثمن إليه فعهدته وضمان ماله على البائع عندنا .

وقال ابن أبي ليلى : عهدته على البائع في الوجهين جميعا ; لأن الشفيع لما تقدم على المشتري قام مقامه ، ثم عهدة المشتري على البائع فكذلك عهدة الشفيع وللشافعي قولان في أحد القولين ليس للشفيع أن يأخذ من البائع ، ولكن البائع يسلمه إلى المشتري وعهدته عليه ; لأنه يتملك على المشتري بعوض ، والمبيع قبل القبض عنده لا يحتمل التملك على المشتري بعوض عقارا كان أو منقولا وعلى القول الآخر يأخذ من يد البائع وعهدته على المشتري وإليه يدفع الثمن ، وهو رواية عن أبي يوسف ; لأن حق الشفعة يثبت بالشراء فكان من حقوق الشراء وما يكون من حقوق الشيء لا يكون ناسخا له وكيف يكون أخذ الشفيع ناسخا للبيع ، وهو مبطل حقه كما لو ظهر [ ص: 102 ] بطلان البيع من الأصل وإذا نفى الشراء كان الشفيع متملكا على المشتري فعهدته عليه كما لو أخذ من يده .

وعن أبي يوسف قال إن كان المشتري نقد البائع الثمن ، فالشفيع يدفع الثمن إلى المشتري وعهدته عليه ; لأن البائع لا يتمكن من استيفاء الثمن مرتين ، وإن لم يكن المشتري نقد البائع الثمن ، فالشفيع يدفع الثمن إلى البائع ويسقط حق البائع من الثمن قبل المشتري وعهدة الشفيع على البائع ، فأما وجه ظاهر الرواية ، فهو أن حق الشفيع ثبت بالبيع قبل ملك المشتري ويده ، ألا ترى أنه لو قال : كنت بعت هذه الدار من فلان وقال فلان ما اشتريت كان للشفيع أن يأخذ بالشفعة لثبوت البيع بإقرار البائع وإن لم يثبت ملك المشتري لإنكاره ، فإذا ثبت تمكنه من الأخذ قبل ملك المشتري فقبل قبضه أولى وإذا أخذ بالشفعة فات بأخذه الشفعة القبض المستحق بالعقد في حق المشتري ، وذلك يوجب انفساخ البيع كما لو هلك المبيع قبل القبض .

وهذا ; لأن يد الشفيع لا يمكن جعلها نائبة عن يد المشتري لتقدم حقه على حق المشتري بخلاف ما إذا باعها المشتري من غيره ; لأن يد الثاني هناك يمكن جعلها نائبة عن يد الأول ، فلا يفوت قبض المشتري الأول معنى ، ثم إن حضر الشفيع ، والدار في يد المشتري ، فهو الخصم للشفيع يأخذه من يده ، ولا يشترط حضرة البائع ; لأن حكم العقد في حق البائع قد انتهى بالتسليم إلى المشتري وصار هو كأجنبي آخر ، فالشفيع بعد ذلك يستحق على المشتري ملكه ويده وكان هو الخصم ، وإن كانت الدار في يد البائع ، فلا بد من حضرة البائع ، والمشتري جميعا لخصومة الشفيع في الأخذ ; لأن الملك للمشتري ، واليد للبائع ، والشفيع يريد استحقاقهما جميعا فيشترط حضورهما لذلك ; ولأنه لا بد من حضور البائع ; لأن الدار في يده ، والشفيع لا يأخذ بالشفعة من غير من في يده واحدة من يد البائع موجب انفساخ العقد بين البائع ، والمشتري ، وذلك لا يتم ، إلا بمحضر من المشتري فيشترط حضورهما لذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية