الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإذا قضى القاضي للشفيع بالشفعة بثمن مسمى ، فهي لازمة لا يتخلص منها ، إلا برضا المشتري ، أو يحدث في الدار عيب ; لأن بقضاء القاضي ثبت الملك للشفيع بالثمن المسمى ويؤكد ، فيكون حاله مع المشتري بمنزلة حال المشتري مع البائع وبعد البيع ليس للمشتري أن يتخلص منها ، إلا بالإقالة برضاء البائع ، أو بعيب يجده في الدار فكذلك حال الشفيع ، فإن كانت في يد البائع فقضى القاضي بها عليه ، ثم سأل البائع أن يقيله فأقاله جازت الإقالة وهي للبائع ، وقد برئ منها الشفيع ، والمشتري أما المشتري فلأن البيع انفسخ بينه وبين البائع حين قضى القاضي بها للشفيع على البائع وأما الشفيع فلأنه قام مقام المشتري بعد ما قضى القاضي له بها بذلك البيع وإقالة المشتري مع البائع كانت تصح قبل أخذ الشفيع فكذلك إقالة الشفيع مع البائع توضيحه أن الشفيع لما تقدم على المشتري في ثبوت الملك له بالعقد الذي باشره المشتري [ ص: 110 ] صار المشتري في معنى الوكيل له وإقالة الموكل مع البائع صحيحة فكذلك إقالة الشفيع مع البائع

وكذلك لو كانت في يدي المشتري فقضى بها عليه ، ثم ردها الشفيع على البائع ، فهو جائز ، والشفيع ، والمشتري بريئان منه في قول أبي حنيفة أما على الطريق الثاني قد بينا أن الشفيع كالموكل وإقالة الموكل مع البائع صحيحة في حق براءة المشتري فكذلك إقالة الشفيع مع البائع ، وإن كان أخذها من يد المشتري وأما على الطريق الأول ففيه بعض الإشكال ; لأن أخذ الشفيع من يد المشتري بمنزلة عقد مبتدإ فيما بينهما ; ولهذا كانت عهدته على المشتري فينبغي أن لا يجوز إقالة الشفيع مع البائع في حق براءة المشتري حتى قال بعض مشايخنا هذه الإقالة بينهما في حكم البيع المبتدإ فيجوز في قول أبي حنيفة رضي الله عنه هذه الإقالة بينهما في حكم البيع المبتدإ فيجوز في قول أبي حنيفة وأبي يوسف الآخر وفي قول محمد وأبي يوسف الأول لا يجوز بناء على اختلافهم في بيع العقار قبل القبض وبتلك المسألة استشهد في الكتاب ، وقد بيناها في كتاب البيوع ومنهم من يقول : بل إقالة الشفيع مع البائع صحيحة في حق الكل ; لأن عند اتفاقهم على هذه الإقالة يتبعض حق المشتري ويصير كأن الشفيع أخذها من يد البائع ; ولأن حق الشفيع يثبت سابقا على ملك المشتري عنده ، فإذا قضى القاضي بحقه فملكه لا ينبني على ملك المشتري ، بل هو يقوم مقام المشتري في الإقالة مع البائع وملك الإقالة بملك المبيع لا بالعقد ، ألا ترى أن الوارث يملك الإقالة بعد موت المورث ; لأنه يخلفه في ملكه ، فإذا قام الشفيع مقام المشتري في الملك بقضاء القاضي ملك الإقالة مع البائع غير أن المشتري لا يخرجها من يده حتى يرد عليه البائع الثمن كما لو كان هو الذي أقاله بنفسه وهذا ; لأنه بعد ما انفسخ عقده يكون حاله في الحبس كحال البائع عند العقد ، وقد كان للبائع أن يحبس المبيع حتى يستوفي الثمن فكذلك المشتري بعد الفسخ حتى يرد عليه الثمن .

التالي السابق


الخدمات العلمية