( الثالث ) بذلك أفتى لا تسقط الحيازة ولو طالت الدعوى في الحبس ابن رشد في نوازله في جواب المسألة الخامسة من مسائل الوقف وهي مسألة تتضمن السؤال عن جماعة واضعين أيديهم على أملاكهم وموروثهم وموروث موروثهم نحوا من سبعين عاما يتصرفون فيه بالبناء والغرس والتعويض والقسمة وكثيرا من وجوه التفويت فادعى عليهم بوقفيتها شخص حاضر عالم بالتفويت المذكور والتصرف هو ومورثه من قبله ونصه ولا يجب القضاء بالحبس إلا بعد أن يثبت التحبيس وملك المحبس لما حبسه يوم التحبيس وبعد أن تتعين الأملاك المحبسة بالحيازة لها على ما تصح فيه الحيازة فإذا ثبت ذلك كله على وجهه وأعذر إلى المقوم عليهم فلم يكن لهم حجة إلا من ترك القائم وأبيه قبله عليهم وطول سكوتهما عن طلب حقهما مع علمهما بتفويت الأملاك فالقضاء بالحبس واجب والحكم به لازم انتهى . وأفتى بذلك أيضا في المسألة السادسة من مسائل الدعوى والخصومات في مسألة ابن زهر وهي مسألة تتضمن أن رجلا في ملكه ضيعة ورثها عن سلفه منذ سبعين عاما هو وأبوه وهم يتصرفون فيها تصرف المالك في ملكه فقام عليه رجل وادعى أن الضيعة رهن بيده وبذلك ملكها سلفه قبله منهم واستدعى عقد السماع بالرهن فأثبت الذي بيده الضيعة أن جده ابتاعها من جد القائم عليه فيها فأفتى أن شهادة الشراء عمل ثم قام ذلك الرجل المشتري المدعي الرهينة بعينه وادعى أنها حبس عليه وأثبت عقد التحبيس بالشهادة على [ ص: 226 ] خطوط شهدائه فهل ترى قيامه أولا بالرهن يبطل قيامه بالحبس أم لا ؟ فأجاب كان من وجه الحكم أن لا يكلف الذي بيده الضيعة من أين صارت إليه حتى يثبت القائم ملك الراهن لها ورهنه إياها وموته وأنه وارثه أو وارث وارثه وكذلك الحكم في قيامه بالحبس سواء في مذهب وجميع أصحابه غير أن قول المقوم عليه أن جده ابتاعها من جد القائم عليه إقرار منه له بملكها فإن كان هو المحبس وأثبت حفيده عقد التحبيس وأنه من عقبه لا عقب له غيره بالسماع إن عجز عن البينة القاطعة وأعذر إلى المقوم عليه فيما ثبت من ذلك فلم يكن عنده فيه مدفع فالواجب أن يسأل المقوم عليه فإن أقر أنها هي التي وقع ذكرها في كتاب التحبيس لم يجب على القائم فيها حيازة لاتفاقهما عليه وانظر إلى تاريخ كتاب صاحب التحبيس وتاريخ السماع بشراء جد المقوم عليه من جد القائم فإن وجد تاريخ الحبس أقدم قضى به وبطل الشراء ووجب الرجوع بالثمن وإن وجد تاريخ السماع بالشراء أقدم أو لم يعلم أيهما أقدم قبل صاحبه قضى بالشراء وبطل التحبيس وهكذا الرواية في ذلك ثم قال في جواب ثان على المسألة بعينها إثر الجواب الأول وسائر ما تضمنه عقد التحبيس الثابت لا يوجب أن يسأل من بيده شيء من ذلك من أين صار له ولا يعتقل عليه ولا يكلف إثباتا ولا عقلا إلا من بعد أن يثبت القائم بالتحبيس ملك المحبس لما حبسه ويحوز ما أثبت تحبيسه حيازة صحيحة على الوجه الذي ذكرناه وهذا أصل لا اختلاف فيه أعني أن من بيده ملك لا يدعيه يكلف إثبات من أين صار له حتى يثبت المدعي ما ادعاه ويحوزه ولا يلزم المقوم عليه إذا قضى ببقاء الملك بيده وحكم بقطع الاعتراض عنه بشيء من ثمن ما ادعى شراءه إذا مضى من طول المدة ما صدق فيه المبتاع على أداء ثمن ما ابتاعه في قول مالك وجميع أصحابه ولو لم يمض لم يحكم للمدعي أيضا بالثمن حتى يرجع عما ادعاه من التحبيس إلى تصديق دعوى المشتري على اختلاف أصحابنا المتقدمين أي واستفيد من هذه المسألة فوائد منها أنه مشى على أنه لا يسأل واضع اليد عن شيء حتى يثبت القائم الملك . ومنها حكم شهادة السماع في الرهن ومنها القضاء بالتاريخ السابق ومنها إذا جهل السابق من تاريخ الشراء أو الحبس قضي بتاريخ الشراء وبطل الحبس وأفتى غيره أنه إذا جهل التاريخ قدم الحبس والله أعلم . مالك