الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وندب أخذ آبق لمن يعرف وإلا فلا يأخذه ) [ ص: 83 ]

                                                                                                                            ش : قال في التنبيهات : الإباق بكسر الهمزة اسم للذهاب في استتار وهو الهروب والأبق بالفتح وسكون الباء وفتحها أيضا اسم الفعل والمصدر والأباق بضم الهمزة وتشديد الباء جمع آبق ، انتهى . وعبارة المؤلف هي كقوله في المدونة ومن وجد آبقا فلا يأخذه إلا أن يكون لقريبه أو جاره أو لمن يعرفه فأحب إلي أن يأخذه وهو من أخذه في سعة ، انتهى . وقول المؤلف فلا يأخذه هو لفظ المدونة وهو على الاستحباب ، قال الرجراجي : أما أخذ الآبق فقد ، قال مالك في المدونة : تركه خير من أخذه إلا أن يكون لقريبه أو جاره أو لمن يعرفه فأحب إلي أن يأخذه ، انتهى . أبو الحسن قوله أو لمن يعرفه هو الضابط ولا يقال أن ذلك للقرابة ، انتهى .

                                                                                                                            ولهذا اقتصر عليه المؤلف وقيد البساطي هذا بما إذا كان في موضع لا يخشى عليه فيه الهلاك ولم أره لغيره إلا أن الشيخ أبا الحسن ، قال في قوله في المدونة : وهو من أخذه في سعة ، قال اللخمي : أما إذا كان على الأميال اليسيرة من الموضع الذي أبق منه فلا سعة في تركه إذا لم يخف منه الشيخ ; لأن تركه تلف له ، انتهى .

                                                                                                                            ص ( فإن أخذه رفعه للإمام ووقف سنة ثم بيع ولا يهمل )

                                                                                                                            ش : قال في المدونة : ومن أخذ آبقا رفعه إلى الإمام ويوقفه سنة وينفق عليه ويكون فيما أنفق عليه كالأجنبي فإن جاء صاحبه وإلا باعه وأخذ من ثمنه ما أنفق وحبس بقية الثمن لربه في بيت المال وأمر مالك ببيع الإباق بعد السنة ولم يأمر بإطلاقهم يعملون ويأكلون ولم يجعلهم كضوال الإبل ; لأنهم يأبقون ثانية ، انتهى . فقول المؤلف رفعه إلى الإمام كقوله في المدونة رفعه إلى الإمام أبو الحسن ظاهره أنه مطلوب بذلك وإن كان لا يجب عليه فالرفع إلى الإمام أولى وله أن يفعل هو ما يفعله الإمام ، انتهى . وقال : قوله ويكون فيما أنفق عليه كالأجنبي يظهر منه أن الأجنبي يفعل فيه ما يفعله الإمام ولا يجب عليه الرفع ، انتهى . وقال الرجراجي إثر كلامه المتقدم : فإن أخذه فلا يخلو السلطان من أن يكون عدلا أو جائرا فإن كان عدلا فهو مخير إن شاء رفعه إلى الإمام وإن شاء عرف به ثم قال : وإن كان السلطان جائرا فلا ينبغي له أن يرفعه إليه ويعرفه سنة وينفق عليه ويكون حكمه في النفقة حكم السلطان ، انتهى .

                                                                                                                            وقول المؤلف ووقف سنة ثم بيع ولا يهمل مثل قوله في المدونة ويوقفه سنة إلى قوله ولم يأمر بإطلاقهم وفيه أمران ، أحدهما أنه يحبس سنة ، والثاني أنه يباع بعد السنة ولا يمهل ، أما الأول ، فقال الشيخ أبو الحسن عن ابن يونس ، قال سحنون : لا أرى أن يوقفه سنة ولكن بقدر ما يتبين أمره ثم يباع ويكتب الحاكم صفاته عنده حتى يأتي له طالب ابن يونس وهو الصواب ; لأن النفقة عليه سنة ربما ذهبت بثمنه ، انتهى . وفي سماع عيسى ، قال ابن القاسم الشأن والسنة في الآبق أن يحبس سنة إلا أن يخاف الضيعة فيباع ( قلت ) أرأيت إذا انقضت السنة ولم يخف ضيعة أيباع ، قال : نعم ولا يحبس بعد السنة ابن رشد قوله أن الآبق يحبس هو مثل ما في المدونة وقوله إنه إذا خشيت الضيعة عليه بيع قبل السنة هو تفسير لما في المدونة وقد مضى في أول رسم من سماع أشهب أنه إذا خشيت عليه الضيعة خلي سبيله ولم يبع وقد مضى القول هنالك فلا معنى لإعادته ، انتهى .

                                                                                                                            فما في سماع عيسى تفسير لما في المدونة وأما كلام سحنون فإنه خلاف للمدونة فإنه لا يرى حبسه سنة أصلا ، قال الرجراجي ، قال مالك في المدونة : ولم أزل أسمع أن الآبق يحبس سنة وذلك يختلف باختلاف الأحوال وتحصيله أن العبد لا يخلو من أن يخشى عليه الضيعة في هذا الأمد أم لا فإن خيف بيع قبل السنة وهي رواية عيسى عن ابن القاسم وهو تفسير لقول مالك وإن لم يخش عليه هل ينتظر به سنة وهو مذهب المدونة وهو المشهور ، والثاني أنه لا يوقف سنة وإنما يوقف بقدر ما يتبين ضرره وهو قول سحنون ، انتهى .

                                                                                                                            وأما الأمر الثاني وهو كونه يباع بعد السنة ولا يمهل ، فقال في سماع [ ص: 84 ] أشهب : إنه إذا عرفه فلم يجد من يعرفه أنه يخليه خير له من أن يبيعه فيهلك ثمنه ويؤكل أو يطرح في السجن فيقيم ولا يجد من يطعمه ، قال ابن رشد : أما الإباق فسوى في هذه الرواية بينهم وبين ضوال الإبل في أنهم يرسلون إذا عرفوا فلم يعرفوا ، وقال في المدونة : إنهم يحبسون ثم يباعون فتحبس أثمانهم لأربابهم ولا يرسلون فالظاهر أن ذلك اختلاف من القول وعلى ذلك يحمله الشيوخ والأولى أن لا يحمل ذلك على الخلاف فيكون الوجه في ذلك أنه إن خشي عليه أن يضيع في السجن بغير نفقة وأن يتلف ثمنه إن بيع كان إرساله أولى من حبسه على ما قاله في هذه الرواية وإن لم يخش عليه أن يضيع في السجن بغير نفقة ولا يتلف ثمنه إن بيع كان حبسه سنة ثم بيعه بعد السنة وإمساك ثمنه أولى من إرساله .

                                                                                                                            ، وموضع الخلاف عند من حمله على الخلاف إنما هو إذا خشي عليه أن يضيع في السجن وأن يتلف ثمنه إذا بيع فمرة رأى أن إرساله أولى لئلا يضيع أو يتلف ثمنه ، ومرة رأى أن حبسه وبيعه وإمساك ثمنه أولى لئلا يأبق ثانية ، والاختلاف إنما هو بحسب الاجتهاد ، أي الخوفين أشد ؟ وأما إن لم يخش عليه أن يضيع في السجن ولا أن يتلف ثمنه إذا بيع فلا يرسل ; لئلا يأبق قولا واحدا ولو لم يخش عليه أن يضيع في السجن وخشي على ثمنه أن يضيع لوجب أن يسجن سنة يعرف فيها ثم يسرح ولا يحبس أكثر منها التي هي حد تعريف اللقطة ولو لم يخش على ثمنه ضياع وخشي عليه إن سجن لوجب عليه أن يباع ويوقف ثمنه ولا يسجن ، انتهى . فتأمله والله أعلم .

                                                                                                                            ص .

                                                                                                                            ( وأخذ نفقته )

                                                                                                                            ش : فاعل أخذ ضمير عائد على المنفق المفهوم من السياق سواء كان الإمام أو غيره ، والله أعلم

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية