الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وجازت على خط مقر )

                                                                                                                            ش : ظاهره سواء كانت [ ص: 188 ] الوثيقة بخطه أو فيها شهادته فقط على نفسه وهو كذلك .

                                                                                                                            قال في رسم الشجرة من سماع ابن القاسم من كتاب الشهادات وسئل مالك عن رجل كتب : على رجل ذكر حق ، وأشهد فيه رجلين فكتب الذي عليه الحق شهادته على نفسه بيده في الذكر الحق فهلك الشاهد ثم جحد فأتى رجلان فقالا : نشهد أنه كتابه بيده .

                                                                                                                            قال مالك : إذا شهد عليه شاهدان أنه كتابه بيده رأيت أن يؤخذ منه الحق ، ولا ينفعه إنكاره وذلك بمنزلة لو أقر ثم جحد فشهد عليه شاهدان بإقراره فأرى أن يغرم ، قال ابن رشد : هذا بين على ما قاله ; لأن شهادة الرجل على نفسه شهادة إقرار عليها وإقراره على نفسه شهادة عليها ونقله ابن عرفة .

                                                                                                                            ص ( وإن بغير مال فيهما )

                                                                                                                            ش : هذا الذي اختاره رحمه الله أن الشهادة على الخط جائزة في الطلاق والعتاق وغيرهما ، وكأنه رحمه الله اعتمد على ما ذكره في التوضيح عن أحكام ابن سهل ونصه ، وفي أحكام ابن سهل عن محمد بن الفرج مولى ابن الطلاع أنه قال : الأصل في الشهادة على الخطوط من قول مالك وأكثر أصحابه أنها تجوز في الحقوق والطلاق والعتاق والأحباس وغيرها انتهى . وهو خلاف ما نقله البرزلي عن السيوري أنه قال : لا تجوز الشهادة على الخط في طلاق ولا عتاق ولا حد من الحدود على ما في الواضحة وغيرها انتهى من أوائل مسائل الأيمان ونقله في مسائل الأقضية والشهادات عن ابن رشد انظر كلامه . وقال ابن رشد في نوازله في أثناء مسائل النكاح في رجل يقيم عليه بعقد يتضمن إشهاده على نفسه أنه متى تزوج فلانة فهي طالق ثلاثا وقد تزوجها فأنكر العقد فشهد شهود أن العقد خط يده فقال : إن كان العقد الذي قيم على الرجل المذكور ثبت بشهادة الشهود الذين أشهدهم على نفسه بما تضمنه وعجز عن الدفع فالذي أراه وأتقلده أن يفرق بينهما وهو الصحيح عندي من الأقوال المشهورة في المذهب ولا يكون ذلك جرحة تسقط شهادته إلا أن يقر على نفسه أنه تزوجها بعد أن حلف بطلاقها ألبتة أن لا يتزوجها وهو يعتقد أن ذلك لا يحل له جرأة على الله عز وجل إذ لو أقر بطلاقها على ما تضمنه العقد وقال : إنما تزوجها ; لأنه اعتقد أن ذلك يسوغ له لاختلاف أهل العلم في ذلك لعذر فيما فعله ولم يكن ذلك جرحة لا سيما إن [ ص: 189 ] كان ممن ينظر في العلم ويسمع الأحاديث .

                                                                                                                            وأما إن لم يثبت العقد الذي قيم به إلا بالشهادة على الخط فلا يحكم به عليه إن أنكر ولا يفرق بينهما أو إن عجز عن الدفع في شهادة من شهد عليه أنه خط يده ; لأن الشهادة على الخط لا تجوز في طلاق ولا عتاق ولا نكاح ولا حد من الحدود على ما نص عليه ابن حبيب في واضحته وغيره ، ولو أقر أنه خطه كتبه بيده وزعم أنه لم يكتبه عازما على إنفاذه وإنما كتبه على أن يستشير وينظر في ذلك لصدق في ذلك على ما قاله في المدونة انتهى والله أعلم .

                                                                                                                            وما ذكره عن ابن حبيب في واضحته نقله ابن حبيب فيها عن مطرف وابن الماجشون وأصبغ وأنها لا تجوز في طلاق ولا عتاق ولا حد من الحدود ولا كتاب قاض وإنما تجوز في الأموال فقط ، وحيث لا تجوز شهادة النساء ولا الشاهد مع اليمين فلا تجوز على الخط ، وحيث يجوز هذا يجوز هذا ، ووقع في رسم القضاء من سماع أشهب من كتاب الشهادات في امرأة كتب إليها زوجها بطلاقها مع من لا تجوز شهادته إن وجدت من يشهد لها على خطه نفعها ذلك قال ابن رشد : ومثله في مختصر ابن عبد الحكم ، وكان يمضي لنا عند من أدركناه من الشيوخ أن ما ذكره ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون وأصبغ هو مذهب مالك لا خلاف فيه ، وأن معنى قوله في الرواية نفعها ذلك أنه يكون لها شبهة توجب لها اليمين على الزوج أنه ما طلق ، والذي أقول به أن معنى ما حكاه ابن حبيب إنما هو أن الشهادة لا تجوز على خط الشاهد في طلاق ولا عتاق ولا نكاح لا أنها لا تجوز على خط الرجل أنه طلق أو أعتق أو أنكح بل هي جائزة على خطه بذلك كما تجوز على خطه بالإقرار بالمال وهو بين من قوله ، فالصواب أن يحمل قول مالك " نفعها " على ظاهره من الحكم لها بالطلاق عليه إذا شهد على خطه شاهدان عدلان وذلك إذا كان الخط بإقراره على نفسه أنه طلق زوجته مثل أن يكتب إلى رجل يعلمه بأنه طلق زوجته أو إليها يعلمها بذلك وأما إن كان الكتاب إنما هو بطلاقه إياها ابتداء فلا يحكم عليه به إلا أن يقر أنه كتبه مجمعا على الطلاق ، وفي قبول قوله أنه كتبه غير مجمع على الطلاق بعد أن أنكر أنه كتبه اختلاف انتهى .

                                                                                                                            بعضه بالمعنى وأكثره باللفظ فيكون اختيار ابن رشد ثالثا يفرق بين الشهادة على خط الشاهد فلا تجوز إلا في الأموال وبين الشهادة على خط المقر فتجوز في الأموال وغيرها إذا كان الخط بإقراره على نفسه أنه طلق أو أعتق ونحو ذلك وأما إذا كان الخط إنما هو بطلاقه إياها ابتداء فلا ، وذكر ابن عرفة عن ابن سهل نحو اختيار ابن رشد وعن الباجي أيضا .

                                                                                                                            وظاهر ما تقدم عن ابن رشد في نوازله في النكاح أنه حمل قول مطرف وابن الماجشون على ظاهره وقال في مسائل الشهادات من نوازله ظاهر ما حكى ابن حبيب في الواضحة عن مطرف وابن الماجشون وأصبغ أن الشهادة على الخط لا تجوز فيما عدا الأموال لا على خط الشاهد ولا على خط المعتق أو المطلق وسائر ما ذكره مما ليس بمال .

                                                                                                                            وعلى ذلك كان الشيوخ يحملونه ، ومعنى ذلك إذا وجد الكتاب بالعتق عنده بعد موته أو بيده في حياته ; لأنه لو أقر أنه خطه وقال كتبته على أني أستخير في تنفيذه ولم أنفذه بعد صدق في ذلك ، وأما إذا كان دفعه إلى العبد أو كان قد نص فيه على أنه أنفذه على نفسه فالشهادة عليه عاملة كالشهادة على خطه بالإقرار بالمال وهو ظاهر رواية أشهب عن مالك في العتبية وما في مختصر ابن عبد الحكم انتهى . وقال ابن فرحون بعد نقله قول مطرف وابن الماجشون : قال ابن رشد : وهذه التفرقة لا معنى لها إلا أن يريد أن الأموال أخف والصواب الجواز في الجميع . قال ابن الهندي : ويلزم من أجازها في الأحباس القديمة أن يجيزها في [ ص: 190 ] غيرها ; لأن الحقوق عند الله سواء انتهى .

                                                                                                                            ص ( وأنه كان يعرف مشهده وتحملها عدلا )

                                                                                                                            ش : ما ذكره من معرفة مشهده هو أحد القولين وما ذكره من قوله وتحملها عدلا هو تعديل للمشهود على خطه ، وظاهر كلامه أن الشاهد على الخط لا بد أن يشهد بذلك .

                                                                                                                            وذكر المتيطي أنه لا يشترط ذلك بل يكفي أن يشهد بذلك غيرهما .

                                                                                                                            قال في كتاب الحبس في فصل ذكر فيه أن قائما قام بالحسبة أن فلانا باع حبسا ما نصه : وإن كان الشهود الذين شهدوا على خطوط شهود موتى في كتاب الحبس قلت فأتى إليه بفلان وفلان شهدا عنده أن شهادة فلان وفلان الواقعة في كتاب الحبس المنتسخ في هذا الكتاب بخطوط أيديهما لا يشكان في ذلك وأنهما ميتان فقبل القاضي شهادة الشهيدين عنده ، وشهادة الشهيدين المشهود على خطوطهما وإن عدلهما الشاهدان عنده على خطوطهما جاز ذلك وقلت في إثر قولك : وإنهما ميتان وإنهما كانا في رسم العدالة وقبول الشهادة في تاريخ شهادتهما عن الشهادة [ ص: 191 ] أو المذكورة وبعدها إلى أن توفيا وإن عدلهما عنده غير الشاهدين اللذين شهدوا على خطوطهما قلت في الشهيدين وقبل شهادتهما لمعرفته بهما وقبل شهادة فلان وفلان المشهود على خطوطهما بتعديل فلان وفلان لهما عنده بالعدل والرضا إلى أن توفيا على ذلك انتهى .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية