الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( الثالث ) لو غاب الناظر في بلدة بعيدة واحتاج الحبس إلى من ينظر في بعض شأنه فهل للقاضي أن ينظر في ذلك أو يوقف الأمر حتى يأتي الغائب ؟ الظاهر أن للقاضي أن ينظر في ذلك ويمضي ما فعله في غيبة الناظر وليس للناظر إبطال ما فعله القاضي في غيبته ولم أر في ذلك نصا إلا فتيا وجدت منسوبة لبعض المالكية يسمى علي بن الجلال وصورتها ( ما تقول ) السادات العلماء في درس بمكة به مدرس وطلبة وناظر وقفه غائب بالقاهرة فشغرت وظيفة طلب بالدرس المذكور بحكم وفاة من كان بها فولى قاضي مكة تلك الوظيفة شخصا لغيبة الناظر على الوقف المذكور بالقاهرة أو غيرها من البلاد الشاسعة فهل تصح توليته أم لا ؟ وإذا صحت التولية فهل للناظر بعد أن بلغه تولية القاضي المذكور أن يولي شخصا آخر خلاف من ولاه القاضي معتقدا أن القاضي لا نظر له أو ليس له ذلك ؟ ( فأجاب ) ولاية قاضي مكة للشخص المذكور الوظيفة عند غيبة الناظر للمدرسة الغيبة البعيدة وشغور الوظيفة عمن كان بها بموته صحيحة واقعة بمحلها لأنه ولي من لا ولي له كالمرأة إذا غاب وليها واحتاجت إلى التزويج فليس للناظر إبطال ما وقع من تولية الحاكم والحالة هذه والله أعلم .

                                                                                                                            وكتبه علي بن الجلال المالكي وأجاب بمثل ذلك الشافعية والحنفية والحنابلة وأجاب سراج الدين عمر البلقيني الشافعي بما نصه نعم يصح تولية القاضي الوظيفة لمن ذكر وليس للناظر أن يولي شخصا آخر خلاف من ولاه القاضي والاعتقاد المذكور غير صحيح وأجاب الشيخ إبراهيم الأنبابي الشافعي بما أجاب به البلقيني وكذا أجاب كل من الشيخ محمد بن أحمد السعودي الحنفي والشيخ [ ص: 39 ] عبد المنعم البغدادي الحنبلي بمثل ذلك والله أعلم .

                                                                                                                            وبذلك أيضا أفتى بعض أهل العصر وقال : للقاضي أن يقرر في ذلك وينظر واحتج بأن أصل مذهب مالك القضاء على الغائب في سائر الحقوق إذا كانت غيبته غيبة بعيدة وبأن من يريد التقرير مثلا في الوظيفة في الوقف له شبه الحق على الناظر في وجوب إنفاذ أمر الواقف وعدم تعطيل وقفه فإذا عين القاضي المذكور من هو أهل لها كان كحكمه عليه فيما يدعي به وقد قال أهل المذهب فيما إذا ادعى على غائب بدين ساغ للحاكم أن يبيع دار الغائب لقضاء الدين ثم إذا قدم الغائب ببراءة أو بما يترك عنه الحق أن البيع ماض ويتبع بالثمن من أخذه فإذا مضى حكم القاضي على الغائب فيما هو ملك له شرعا فأحرى أن يمضي التقرير في الوظيفة المذكورة إذ ليس ملكا له ويشهد لذلك أنه إذا غاب ولي المرأة زوجها الحاكم وبما قاله أيضا في ترجمة القضاء على الغائب من النوادر ونصه : قال عبد الملك إذا كان الغائب صغيرا لم يضرب له أجلا لأنه لو حضر لم يكن يدافع عن نفسه ولا أخذ لها ولكن إن كان في ولاية أحد غائب ضرب لوليه أجلا وإن حضر خاصم عنه وإن لم يحضر حكم عليه وأشهد وإن لم يكن عليه ولي فليول عليه الحاكم وليا يكون وليا له في هذه الخصومة وغيرها ثم يحكم عليه وليه له ولا يخصه بالولاية في هذه الخصومة فقط فيكون قد نصب له وكيلا يخاصم عنه وهذا لا يكون انتهى كلام المفتي . وقوله وإن لم يحضر حكم عليه وأشهد لم أرها في النوادر ورأيتها بخط المفتي مزادة في الهامش والله أعلم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية