ولما بين ما هم فيه من النعمة؛ بين ما لأعدائهم من النقمة؛ زيادة في سرورهم بما قاسوه في الدنيا؛ من تكبرهم عليهم؛ وفجورهم؛ فقال: والذين كفروا ؛ أي: ستروا ما دلت عليه عقولهم من شموس الآيات؛ وأنوار الدلالات؛ لهم نار جهنم ؛ أي: بما تجهموا أولياء الله؛ الدعاة إليهم؛ ولما كانت عادة النار إهلاك من دخلها بسرعة؛ بين أن حالها على غير ذلك؛ زيادة في نكالهم؛ وسوء مآلهم؛ فقال - مستأنفا -: لا يقضى ؛ أي: لا يحكم؛ وينفذ؛ ويثبت من حاكم ما عليهم ؛ أي: بموت؛ فيموتوا ؛ أي: فيتسبب عن القضاء موتهم؛ وإذا راجعت ما مضى في سورة "سبحان"؛ من [ ص: 62 ] قوله: فلا يملكون كشف الضر عنكم ؛ وما يأتي إن شاء الله (تعالى) في "المرسلات"؛ من قوله: ولا يؤذن لهم فيعتذرون ؛ علمت سر وجوب النصب هنا؛ لأنه لو رفع لكان المعنى أن موتهم ينبغي إن قضي عليهم؛ أو لم يقض؛ وذلك محال.
ولما كانت قال: الشدائد في الدنيا تنفرج؛ وإن طال أمدها؛ ولا يخفف عنهم ؛ وأعرق في النفي بقوله: من عذابها ؛ أي: جهنم؛ ولما كان ربما توهم متوهم أن هذا العذاب خاص بالذين كانوا في عصره - صلى الله عليه وسلم - من الكفار؛ قال: كذلك ؛ أي: مثل هذا الجزاء العظيم؛ نجزي ؛ أي: بما لنا من العظمة - على قراءة الجماعة؛ بالنون؛ كل كفور ؛ أي: به - صلى الله عليه وسلم -؛ أو بغيره من الأنبياء - عليهم السلام -؛ وإن لم يره؛ لأن ثبوت المعجزة يستوي فيها السمع والبصر؛ وبنى الفعل للمفعول؛ إشارة إلى سهولته؛ وتيسره؛ ورفع "كل". أبو عمرو