ولما أتم الأمر بذكر الخليل؛ وابنه - عليهما السلام - الذي لم يخرج من كنفه قط؛ ونافلته المبشر به؛ للتأسي بهم في صبرهم على الدين؛ وإن خالفهم من خالفهم؛ أتبعه ولده الذي أمر بالتجرد عنه؛ مرة بالإسكان عند البيت الحرام؛ ليصير أصلا برأسه في أشرف البقاع؛ ومرة بالأمر بذبحه في تلك المشاعر الكرام؛ فصار ما أضيف إليه من الأحوال [ ص: 399 ] والأفعال من المناسك العظام - عليه الصلاة والسلام -؛ وأفرده بالذكر دلالة على أنه أصل عظيم برأسه؛ من أصول الأئمة الأعلام؛ فقال: واذكر إسماعيل ؛ أي: أباك؛ وما صبر عليه من البلاء بالغربة؛ والانفراد؛ والوحدة؛ والإشراف على الموت في الله؛ غير مرة؛ وما صار إليه بعد ذلك البلاء من الفرج؛ والرئاسة؛ والذكر في هذه البلدة؛ واليسع ؛ أي: الذي استخلفه إلياس - عليه السلام - على بني إسرائيل؛ فجمعهم الله عليه بعد ذلك الخلاف الشديد؛ الذي كان منهم لإلياس - عليه السلام -؛ وذا الكفل ؛ أي: النصيب العظيم بالوفاء؛ بما يكفله من كل أمر علي؛ وعمل صالح زكي.
ولما تقدم وصف من قبل إبراهيم - عليه السلام - بالأوبة؛ وخصوا بالتصريح؛ لما كان لهم من الشواغل عنها بكل من محنة السراء؛ ومحنة الضراء؛ وكذلك بالعبودية سواء؛ وكان الأمر بالذكر - مع حذف الوصف المذكور لأجله؛ والإشارة إليه بالتلويح؛ ولا مانع من ذكره -؛ دالا على غاية المدح له لذهاب الوهم في تطلبه كل مذهب؛ قال - معمما للوصف بالعبودية والأوبة بها جميع المذكورين؛ عاطفا بما أرشد إليه العطف على غير مذكور؛ على ما تقديره: "إنهم أوابون"؛ ليكون تعليلا لذكرهم بما علل به ذكر أول مذكور فيهم -: [ ص: 400 ] وكل ؛ أي: من هؤلاء المذكورين في هذه السورة من الأنبياء؛ قائمون بحق العبودية؛ فهم من خيار عبادنا؛ من هؤلاء الثلاثة ومن قبلهم؛ من الأخيار ؛ أي: كما أن كلا منهم أواب بالعراقة في وصف الصبر - كما مضى في "الأنبياء" -؛ وبغير ذلك؛ من كل خير؛ على أن الصبر جامع لجميع الطريق؛ فهم الذين يجب الاقتداء بهم في الصبر على الدين؛ ولزوم طريق المتقين.