وقال تعالى : قل هل من شركائكم من يبدأ الخلق ثم يعيده [يونس : 34] ؛ أي : التي تزعمون أنها آلهة ، هل منهم من يقدر على أن ينشئ الخلق من العدم على غير مثال سبق ، ثم يعيده بعد الموت في القيامة كهيئته أول مرة للجزاء ؟
قال أبو السعود : هذا احتجاج آخر على حقيقة التوحيد ، وبطلان الإشراك بإظهار كون شركائهم بمعزل عن استحقاق الألوهية ، ببيان اختصاص خواصها من بدء الخلق ، وإعادته .
قل الله يبدأ الخلق ثم يعيده فأنى تؤفكون قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق إلى قوله : وما يتبع أكثرهم إلا ظنا ، ولم يكن ذلك عن بصيرة .
أي : ظن من ظن من سلفهم أن هذه المعبودات تقربهم إلى الله ، وأنها تشفع [ ص: 258 ] لهم ، ولم يكن ظنه هذا لمستند قط ، بل مجرد خيال مختل ، وحدس باطل ، فقلدوا فيه آباءهم ، ولعل تنكير «الظن » هنا للتحقير .
إن الظن لا يغني من الحق شيئا .
وقال تعالى : وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون [يونس : 66] .
الخرص : التخمين ، والتقدير ، ويستعمل بمعنى الكذب ؛ لغلبته في مثله .
وقال تعالى : ولا تكونن من المشركين [يونس : 105] خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم.
ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين .
فيه ، وأن غيره تعالى لا يقدر على إيصال النفع ، ودفع الضرر ، وأن الشرك ظلم ، والمشرك من الظالمين . النهي عن عبادة غير الله
وقال تعالى : ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله [النحل : 36] .
وحده لا شريك له .
واجتنبوا الطاغوت ؛ أي : اتركوا كل معبود دون الله ؛ كالشيطان ، والكاهن ، والصنم ، وكل من دعا إلى ضلال ، كائنا من كان ، وفي أي مكان ، وزمان كان .
وفي هذه الآية التصريح بأن الله أمر جميع عباده بعبادته ، واجتناب عبادة الشيطان ، وإطاعة كل من يدعو إلى الضلال من نوع الإنسان .
وقال تعالى : إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين [البقرة : 62] .
هم قوم يعبدون النجوم ، وقيل : هم من جنس النصارى ، وليس ذلك بصحيح ، بل هم فرقة معروفة لا ترجع إلى ملة من الملل المنتسبة إلى الأنبياء .
والنصارى والمجوس هم الذين يعبدون النار ، ويقولون: إن للعالم أصلين : «النور ، و «الظلمة » .
وقيل : هم يعبدون الشمس والقمر .
وقيل : هم يستعملون النجاسات . [ ص: 259 ]
وقيل : هم قوم من النصارى اعتزلوا ، ولبسوا المسوح .
وقيل : إنهم أخذوا بعض دين اليهود ، وبعض دين النصارى .
والذين أشركوا الذين يعبدون الأصنام .
إن الله يفصل بينهم يوم القيامة .
الفصل : هو أن يميز المحق من المبطل بعلامة يعرف بها كل واحد منهما .
وقال تعالى : وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت [الحج : 26] وقد رفع البيت إلى السماء أيام الطوفان ، فأعلم الله إبراهيم مكانه بريح أرسلها ، فكنست مكان البيت ، فبناه على أسه القديم .
أن لا تشرك بي شيئا ؛ أي : أوحينا إليه أن لا تعبد غيري .
قال : كأنه قيل له : وحدني في هذا البيت . المبرد
وقيل : الخطاب لنبينا صلى الله عليه وسلم، وهذا ضعيف جدا .
وقال سبحانه : يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله [الحج : 73] هم الأصنام التي كانت حول الكعبة ، وغيرها .
وقيل : المراد بهم : السادة الذين صرفوهم عن طاعة الله لكونهم أهل الحل والعقد فيهم .
وقيل : الشياطين الذين حملوهم على معصية الله .
والأول أوفق بالمقام ، وأظهر في التمثيل ، ويصح العموم .
لن يخلقوا ذبابا «لن » لتأكيد النفي في المستقبل ، وتأكيده هنا للدلالة على أن خلق الذباب منهم مستحيل .
وتخصيص الذباب ؛ لمهانته ، واستقذاره مع كونه صغير الحجم ، حقير الذات ، وهو أجهل الحيوانات ؛ لأنه يرمي نفسه في المهلكات .
ولو اجتمعوا له ؛ أي : إن اجتمعت الأصنام ، فهي لا تقدر على خلق ذبابة على ضعفها ، فكيف يليق بالعاقل جعلها معبودة ؟ ! [ ص: 260 ]
وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ؛ أي : إن أخذ ، واختطف منهم هذا الخلق الأقل الأرذل شيئا من الأشياء بسرعة ؛ لا يقدرون على تخليصه منه ؟ لكمال عجزهم ، وفرط ضعفهم .
وإذا عجزوا عن هذا ، فهم عن غيره مما هو أكبر منه جرما ، وأشد منه قوة أعجز ، وأضعف .
ضعف الطالب والمطلوب والصنم كالطالب من حيث إنه يطلب خلق الذباب ، أو يطلب استنقاذ ما سلبه منه ، والمطلوب : الذباب .
وهذا كالتسوية بينهم وبين الذباب في الضعف .
ولو حققت ، وجدت الطالب أضعف .
فإن الذباب حيوان ، وهو جماد ، وهو غالب ، وذلك مغلوب .
وقيل : الطالب : عابد الصنم ، والمطلوب : الصنم .
وقال : الطالب : آلهتهم ، والمطلوب : الذباب . ابن عباس
ثم بين سبحانه أن المشركين الذين عبدوا من دون الله آلهة عاجزة إلى هذه الغاية في العجز ما عرفوا الله حق معرفته ، فقال :
ما قدروا الله حق قدره [الحج : 74] ؛ حيث جعلوا هذه الأصنام شركاء له ، مع كون حالها هذا الحال .
إن الله لقوي عزيز لا يغالبه أحد ، بخلاف آلهة المشركين ؛ فإنها جماد لا يعقل ، ولا ينفع ، ولا يضر ، ولا يقدر على شيء .