الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
والحق عندنا : أن كل ما لم يرد فيه نص من كتاب ، ولا من سنة ، فإطواؤه على غيره أولى ، وترك الخوض فيه أحرى .

أن تقولوا [الأعراف : 172] ؛ أي : كراهة أن تقولوا : يوم القيامة إنا كنا عن هذا ؛ أي : عن كون الله ربنا وحده لا شريك له في العبادة ، واستحقاقها غافلين أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا ؛ أي : فعلنا ذلك كراهة أن تعتذروا بالغفلة ، أو تنسبوا الشرك في الربوبية إلى آبائكم دونكم .

و «أو » لمنع الخلو دون الجمع ، فقد يعتذرون بمجموع الأمرين من قبل ؛ أي : من قبل زماننا .

وكنا ذرية من بعدهم ؛ أي : أتباعا لهم ، فاقتديناهم في الشرك في الربوبية ، لا نهتدي إلى الحق ، ولا نعرف الصواب .

أفتهلكنا بما فعل المبطلون من آبائنا ، ولا ذنب لنا ؛ لجهلنا ، وعجزنا عن النظر ، واقتفائنا آثار سلفنا .

بين الله سبحانه في هذه الآية الحكمة التي من أجلها أخرجهم من ظهر آدم ، وأشهدهم على أنفسهم ، وأنه فعل ذلك بهم لئلا يقولوا هذه المقالة يوم القيامة ، ويعتلوا بهذه العلة الباطلة ، ويعتذروا بهذه المعذرة الساقطة .

ففي هذه الآية قطع لعذر المشركين ، والكفار ، فلا يمكنهم أن يحتجوا بمثل ذلك.

والمعنى : لا يمكنهم الاحتجاج بهذا مع إشهادهم على أنفسهم بالتوحيد ، والتذكير به على لسان صاحب المعجزة قائم مقام ذكره في النفوس . [ ص: 383 ]

وكذلك [الأعراف : 174] ؛ أي : مثل ذلك التفصيل البليغ نفصل الآيات لهم ليتدبروها ولعلهم يرجعون إلى الحق ، وهو التوحيد ، ويتركون ما هم عليه من الباطل ، وهو الشرك في الربوبية .

وقيل : يرجعون إلى الميثاق الأول ، فيذكرونه ، ويعملون بموجبه ، ومقتضاه ، والمآل واحد .

والآية الشريفة دلت على أن المشركين والكفار اعترفوا في عالم الأرواح بتوحيد الربوبية ، وآمنوا به ، ثم إذا انتهوا إلى الدنيا ، نسوا ذلك الميثاق ، ولم يتذكروه ، مع تذكير الرسل إياهم ذلك، وابتلوا في الإشراك في العبادة ، وعبدوا غير الله ، واتخذوا من دونه آلهة شتى ، فكان هذا ردة منهم عن الإسلام ، فاستحقوا ما استحقوه من القتل ، والأسر ، والنهب ، وسبي الذراري في الدنيا ، والعذاب الأليم ، والخلود في النار في العقبى ، لا يخرجون منها أبدا .

وقد تقدم مرارا أن توحيد الله تعالى هو الواجب على كل إنسان ؛ وفاء للميثاق ، وإتيانا بالعهد .

ومن لم يوحد الله تعالى في ألوهيته ، وربوبيته ، فهو مشرك حقا ، والحكم الحكم ، وسيأتي لذلك بيان تحت حديث أبي بن كعب في هذا الباب -إن شاء الله .

وقال تعالى : وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون [يوسف : 106]

فإن قلت : كيف يكون اتصافهم بالإيمان في حالة تلبسهم بالشرك ؛ لأنه يستدعي الجمع بين النقيضين في حالة واحدة ، وهو باطل :

قلت : إيضاح ذلك يتوقف على بيان ما ذكره أهل التفاسير المعتبرة .

وينحصر ذلك في وجوه اثني عشر ، وينضم إلى ذلك ما ذكرته أنا ، فتكون الوجوه ثلاثة عشر . [ ص: 384 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية