الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
والحاصل : أن كل ما يفعله المشركون من الهنود ، وغيرهم مع آلهتهم الباطلة من الأصنام ، وغيرها يفعله هؤلاء المسلمون الكاذبون مع الأنبياء ، والأولياء ، والأئمة ، والشهداء ، والملائكة ، والجنيات ، والصلحاء .

ومع هذا يدعون الإيمان ، والإسلام ، فسبحان الله وبحمده !

ومن ثم قال تعالى في سورة يوسف -عليه السلام - : وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون [يوسف : 106] يعني : أكثر من يدعي الإيمان أسيرون في الشرك . [ ص: 289 ]

وإذا قيل لهم : إنكم تدعون الإيمان ، وتفعلون أفعال الشرك ، فكيف تجعلون هذين السبيلين سبيلا واحدا ؟

قالوا : نحن لا نشرك ، إنما نظهر عقيدتنا في جناب الأنبياء ، والأولياء .

نعم ، لو كنا نسوي الأولياء ، والأنبياء ، والشهداء والمشايخ بالله تعالى ، لكنا مشركين ، ولكنا لا نعتقد مساواتهم به سبحانه بل اعتقدنا أنهم عبيد الله ، ومخلوقه ، وقدرة التصرف هذه أعطاها الله تعالى إياهم ، فهم يتصرفون في العالم بمرضاته ، ودعاؤنا إياهم هو عين دعاء الله ، والاستعانة منهم هي الاستعانة من الله ، وهم أحباؤه يفعلون ما يشاءون ، وهم شفعاؤنا ، ووكلاؤنا عند الله ، رضا الله في رضاهم ، وسخطه في سخطهم .

ويحصل لنا من دعائهم التقرب إلى الله تعالى ، وكلما دعوناهم ، قربنا منه سبحانه ، إلى غير ذلك من الخرافات ، والهزليات .

والسبب في هذا : أن هؤلاء المشركين المدعين للإيمان نبذوا كلام الله تعالى ، وكلام رسوله وراء ظهورهم ، وتمسكوا بالعقل ، وأدخلوه في الدين ، واقتفوا القصص المختلقة ، والحكايات المفتعلة على الصالحين ، واستندوا بالرسوم الشنيعة ، والمواسم الفظيعة .

ولو فهموا كلام الله ، وكلام رسوله ، لم يتفوهوا بمثل هذه الخزعبلات ، ولم يأتوا في الجواب بنحو هذه الأراجيف .

وقد كان الكافرون يقولون مثل هذه الأقوال بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا ، ولكن الله لم يقبل منهم تلك الأباطيل ، بل وجد عليهم ، وكذبهم في مقالاتهم كما قال في سورة يونس -عليه السلام - : ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون [يونس : 18] . [ ص: 290 ]

يعني : الذين يعبدونهم هؤلاء لم يعطهم الله قدرة على الفائدة ، ولا على الضر .

وأما قولهم : إنهم شفعاؤهم عند الله ، فلم يقل الله بهذا قط ، أفهم أعلم من الله فينبئونه بما لا يعلم ؟

ومفهوم هذه الآية : أنه ليس في السماوات والأرض شفيع يستحق العبادة والدعاء ، ويتمكن على النفع والضر .

كيف وشفاعة الأنبياء والأولياء في اختيار الله سبحانه ؟ دعوهم ، أو لم يدعوهم لا ينفعون شيئا .

وفيها : أن من دعا أحدا على أنه يشفع له ، فهو مشرك .

وقد قال تعالى في سورة الزمر : إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار [الزمر : 3] .

يعني : كان الأمر الحق أن الله أقرب إلى عبده من كل شيء ليدركوا هذا الأمر ، واختلقوا أنهم حماة لهم ، ومقربوهم إليه سبحانه .

وكان من نعم الله أنه بمحض فضله يعطي المرادات ، ويقضي الحاجات ، ويدفع البليات ، فلم يعرفوا هذا الحق لله ، ولم يشكروا له على ذلك.

بل طلبوا هذا من غير الله ، وابتغوا قربه في هذا السبيل العوج ، فلا يهديهم الله أبدا ، ولا يحصل لهم قربه ، ومتى سلكوا هذا السبيل ، بعدوا من الله .

والآية دلت على أن من اتخذ أحدا حاميا له ، واعتقد أنه ينفعه ، أو يضره من دون إرادة الله سبحانه ، وعلم أن من حمايته يحصل التقرب منه تعالى ، فهو مشرك ، كاذب ، كفار لنعم الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية