المسألة الثالثة : روي عن -رضي الله عنهما : أنه قال: ابن عباس وحشي - رضي الله عنه - يوم «أحد » ، وكانوا قد وعدوه بالإعتاق إن هو فعل ذلك، ثم إنهم ما وفوا له بذلك. حمزة
فعند ذلك ندم هو وأصحابه ، فكتبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبذنبهم ، وأنه لا يمنعهم عن الدخول في الإسلام إلا قوله تعالى : والذين لا يدعون مع الله إلها آخر [الفرقان : 68] ، فقالوا : قد ارتكبنا كل ما في الآية .
فنزل قوله : إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا [الفرقان : 70] .
فقالوا : هذا شرط شديد نخاف ألا نقوم به ، فنزل قوله : إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء [النساء : 48] .
فقالوا : نخاف ألا نكون من أهل مشيئته ، فنزل : قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم [الزمر : 53] فدخلوا عند ذلك في الإسلام . لما قتل
وطعن القاضي في هذه الرواية ، وقال : إن من يريد الإيمان لا يجوز منه المراجعة على هذا الحد .
ولأن قوله : إن الله يغفر الذنوب جميعا لو كان على إطلاقه ، لكان ذلك إغراء لهم بالثبات على ما هم عليه . [ ص: 336 ]
والجواب عنه : لا يبعد أن يقال : إنهم استعظموا - رضي الله عنه حمزة - وإيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ذلك الحد ، فوقعت الشبهة في قلوبهم أن ذلك هل يغفر لهم أم لا ؟ فلهذا المعنى حصلت المراجعة . قتل
وقوله : هذا إغراء بالقبيح ، فهو إنما يتم على مذهبه .
أما على قولنا : ، فالسؤال ساقط ، والله أعلم . إنه تعالى فعال لما يريد
ثم قال: ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما : أي : اختلق ذنبا غير مغفور .
يقال : افترى فلان الكذب : إذا اعتمله ، واختلقه .
وأصله من الفري بمعنى : القطع . انتهى .
وقال تحت تفسير الآية الثانية : اعلم أن هذه الآية مكررة في هذه السورة ، وفي تكرارها فائدتان :
الأولى : أن عمومات الوعيد ، وعمومات الوعد متعارضة في القرآن ، وأنه تعالى ما أعاد آية من آيات الوعيد بلفظ واحد مرتين ، وقد أعاد هذه الآية دالة على العفو والمغفرة بلفظ واحد في سورة واحدة .
وقد اتفقوا على أنه لا فائدة في التكرير إلا التأكيد .
فهذا يدل على أنه تعالى خص جانب الوعد والرحمة بمزيد التأكيد ، وذلك يقتضي ترجيح الوعد على الوعيد .
والفائدة الثانية : أن الآيات المتقدمة إنما نزلت في سارق الدرع .
وقوله : ومن يشاقق الرسول [النساء : 115] إلى آخر الآيات إنما نزلت في ارتداده .
فهذه الآية إنما يحسن اتصالها بما قبلها لو كان المراد أن ذلك السارق لو لم يرتد ، لم يصر محروما عن رحمتي ، ولكنه لما ارتد ، وأشرك بالله ، صار محروما قطعا عن رحمة الله تعالى . [ ص: 337 ]
ثم إنه أكد ذلك بأن شرح أن ، فقال : أمر الشرك عظيم عند الله تعالى ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا .
يعني : ومن لم يشرك بالله ، لم يكن ضلاله بعيدا ، فلا جرم لا يصير محروما عن رحمتي .
وهذه المناسبات دالة قطعا على دلالة هذه الآية على أن ما سوى الشرك مغفور قطعا ، سواء حصلت التوبة ، أو لم تحصل .
ثم إنه تعالى بين كون الشرك ضلالا بعيدا ، فقال : إن يدعون من دونه إلا إناثا وإن يدعون إلا شيطانا مريدا لعنه الله [النساء : 117] «إن » هاهنا معناها النفي ، ونظيره قوله تعالى : وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته [النساء : 159] .