فإن قلت : لم كررت هذه الآية بلفظ واحد في موضعين من هذه السورة ؟ وما فائدة ذلك ؟
قلت : فائدة ذلك التأكيد ، أو لأن الآية المتقدمة نزلت في سبب ، ونزلت هذه الآية في سبب آخر ، وهو أن الآية المتقدمة نزلت في سبب سرقة طعمة بن أبيرق ونزلت هذه الآية في سبب ارتداده ، وموته على الشرك . انتهى .
وقال العلامة المفتي أبو السعود -رحمه الله تعالى - في تفسيره «إرشاد العقل السليم » تحت تفسير الآية الأولى ما نصه :
إن الله لا يغفر أن يشرك به كلام مستأنف مسوق لتقرير ما قبله من الوعيد ، وتأكيد وجوب الامتثال بالأمر بالإيمان ببيان استحالة المغفرة بدونه ؛ فإنهم كانوا يفعلون ما يفعلون من التحريف ، ويطمعون في المغفرة ، كما في قوله تعالى :
فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى [الأعراف : 169] ؛ أي : التحريف ويقولون سيغفر لنا .
والمراد بالشرك : مطلق الكفر المنتظم لكفر اليهود انتظاما أوليا ؛ فإن الشرع [ ص: 342 ] قد نص على إشراك أهل الكتاب قاطبة ، وقضى بخلود أصناف الكفرة في النار .
ونزوله في حق اليهود كما قال مقاتل ، وهو الأنسب بسباق النظم الكريم ، وسياقه لا يقتضي اختصاصه بكفرهم .
بل يكفي اندراجه فيه قطعا ، بل لا وجه له أصلا ؛ لاقتضائه جواز مغفرة ما دون كفرهم في الشدة من أنواع الكفر ؛ أي : لا يغفر الكفر لمن اتصف به بلا توبة وإيمان ؛ لأن الحكمة التشريعية مقتضية لسد باب الكفر ، وجواز مغفرته بلا إيمان مما يؤدي إلى فتحه ، ولأن ، فمن لم يكن له إيمان ، لم يغفر له شيء من الكفر والمعاصي . ظلمات الكفر والمعاصي إنما يسترها نور الإيمان