الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          2036 - مسألة : قال أبو محمد : قد اختلف الناس في الحاجبين : نا حمام بن مفرج نا ابن الأعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب قال : قضى أبو بكر الصديق في الحاجب إذا أصيب حتى يذهب شعره ، فقضى فيه موضحتين عشرا من الإبل .

                                                                                                                                                                                          [ ص: 47 ] وقال آخرون : غير هذا : كما روينا بالإسناد المذكور إلى عبد الرزاق عن ابن جريج : أخبرنا عبد الكريم أنه بلغه عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في الحاجب يتحصص شعره أن فيه الربع ، وفيما ذهب منه بالحساب ، فإن أصيب الحاجب بما يوضح ويذهب شعره : كان قدر الحاجب فقط ، ولم يكن للموضحة قدر ، فإن أصيب بمنقولة : كان قدر الحاجب والمنقولة جميعا وروي عن زيد بن ثابت أن في الحاجب الواحد ثلث الدية وقال الشعبي : في الحاجبين الدية .

                                                                                                                                                                                          وعن سعيد بن المسيب قال : في الحاجبين إذا استوعبا الدية - وفي أحدهما نصف الدية .

                                                                                                                                                                                          وعن إبراهيم النخعي قال : كان يقال في كل اثنين من الإنسان الدية ، وفي كل واحد النصف ؟ قلت : الثنتين ؟ قال : لعل ذلك ، قال : وفي كل واحد من الإنسان الدية .

                                                                                                                                                                                          وعن الشعبي قال : في كل اثنين من الإنسان الدية نا عبد الله بن ربيع نا عبد الله بن محمد بن عثمان نا أحمد بن خالد نا علي بن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة نا الحجاج بن أرطاة عن الحكم بن عتيبة أن شريحا قال : في الحاجبين ، والشفتين ، واليدين ، والرجلين : نصف الدية يعني في كل واحد منهما - وفي كل فرد في الإنسان الدية - وهو قول الحسن البصري ، وقتادة ، وأبي حنيفة ، وأحمد بن حنبل ، وأصحابهم وقال آخرون : فيها حكومة فقط . وهو قول مالك ، والشافعي ، وأصحابهما .

                                                                                                                                                                                          وقال آخرون : لا شيء فيها ، كما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال : قلت لعطاء بن أبي رباح : الحاجب يشتر ؟ قال : لم أسمع فيه بشيء . قال أبو محمد : أما الحنفيون ، والمالكيون ، والشافعيون ، فقد نقضوا هاهنا أصولهم في تهويلهم بخلاف الصاحب إذا وافق تقليدهم - وهم هاهنا قد خالفوا ما [ ص: 48 ] روي عن أبي بكر الصديق ، وزيد بن ثابت ، وسائر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أقوال لم تحفظ قط عن صاحب - وهذا قبيح جدا .

                                                                                                                                                                                          فأما الحنفيون ، فإنهم طردوا القياس هاهنا ، إذ جعلوا في كل اثنين في الإنسان الدية ، قياسا على اليدين ، والحاجبان اثنان .

                                                                                                                                                                                          وأما قول مالك ، والشافعي ، فإن أصحابهما لا مؤنة عليهم في ادعاء الإجماع من الأمة ، فيما لا يعرفون فيه خلافا ، نعم ، حتى إنهم ليدعونه فيما فيه الخلاف مشهور ، كفعلهم في الموضحة على ما نذكر بعد هذا - إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                          ولا نعلم أحدا قال قبل مالك بقوله : في الحاجبين حكومة هذا ولم يتبع فيه نص قرآن ، ولا سنة صحيحة ، ولا سقيمة ، ولا قياس ، فينبغي لهم أن لا ينكروا على من قال بقول اتبع فيه القرآن ، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أباح الله تعالى قط لمالك ، ولا لأبي حنيفة ، ولا للشافعي شيئا حرمه الله تعالى على غيرهم .

                                                                                                                                                                                          قال علي : فإذ لا نص في الحاجبين يصح ، ولا إجماع فيما يتيقن ; فالواجب أن لا يجب فيهما في العمد إلا القود أو المفاداة .

                                                                                                                                                                                          وأما في الخطأ فلا شيء ، لأن الأموال محرمة إلا بنص أو إجماع ، والحكومة غرامة فلا يجوز إلزامها أحدا بغير نص ولا إجماع - وهو قول عطاء ، كما أوردنا .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية