الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
النوع الثالث : مشاق واقعة بين هاتين المشقتين مختلفة في الخفة والشدة فما دنا منها من المشقة العليا أوجب التخفيف ، وما دنا منها من المشقة الدنيا لم يوجب التخفيف إلا عندأهل الظاهر ، كالحمى الخفيفة ووجع الضرس اليسير وما وقع بين هاتين الرتبتين مختلف فيه ، ومنهم من يلحقه بالعليا ، ومنهم من يلحقه بالدنيا ، فكلما قارب العليا كان أولى بالتخفيف ، وكلما قارب الدنيا كان أولى بعدم التخفيف ، وقد توسط مشاق بين الرتبتين بحيث لا تدنو من أحدهما فقد يتوقف فيها ، وقد يرجح بعضها بأمر خارج عنها ، وذلك كابتلاع الدقيق في الصوم ، وابتلاع غبار الطريق ، وغربلة الدقيق لا أثر له لشدة مشقة التحرز منها ولا يعفى عما عداها مما تخف المشقة في الاحتراز عنه وفي ما بينهما كابتلاع ماء المضمضة مع الغلبة اختلاق لوقوعه بين [ ص: 11 ] الرتبتين .

ولما كانت المبالغة مستندة إلى تقصيره بفعله ما نهى عنه ألحقها بعضهم بما تيسر الاحتراز عنه وأبطل بها الصوم ، وألحقها بعضهم بالمضمضة لوقوعها عن الغلبة ، وتختلف المشاق باختلاف العبادات في اهتمام الشرع فما اشتد اهتمامه به شرط في تخفيفه المشاق الشديدة أو العامة ، وما لم يهتم به خففه بالمشاق الخفيفة ، وقد تخفف مشاقه مع شرفه وعلو مرتبته لتكرر مشاقه كي لا يؤدي إلى المشاق العامة الكثيرة الوقوع .

مثاله : ترخيص الشرع في الصلاة التي من أفضل الأعمال تقام مع الخبث الذي يشق الاحتراز منه ، ومع الحدث في حق المتيمم والمستحاضة ، ومن كان عذره كعذر المستحاضة .

وكذلك المشاق في الحج ثلاثة أقسام : منها ما يعظم فيمنع وجوب الحج ، ومنها ما يخف ولا يمنع الوجوب ، ومنها ما يتوسط فيتردد فيه ، وما قرب منه إلى المشقة العليا كان أولى بمنع الوجوب ، وما قرب منه إلى المشقة الدنيا كان أولى بألا يمنع الوجوب .

التالي السابق


الخدمات العلمية