الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
المثال التاسع عشر : المخالطة في الطعام جائزة من المطلقين ، لأن كل واحد من المخالطين باذل للآخرين ما يأكلونه وإن كان مجهولا ، إذ لا يشترط العلم في الإباحة ، فإن المنائح والعواري وثمار البساتين جائزة مع الجهل بقدر ما يتناوله المباح له من ذلك ، وكذلك ما يأكله الضيفان كما ذكرناه . [ ص: 187 ]

وأما مخالطة الأوصياء وأولياء اليتامى في مثل ذلك فيجوز أن يكون ذلك إباحة في مقابلة إباحة ، فإن الإباحة في مال اليتيم هي التي لا مقابل لها ، بخلاف هذه الإباحة ويجوز أن تكون مخالطة المحجور عليهم ومخالطة المطلقين من باب المعاوضة ، فيكون ما يأكله كل واحد منهم من نصيب غيره في مقابلة ما بذله من نصيب نفسه ، وإن تفاوت المتقابلان ، ولا يجوز للوصي أن يخالط اليتيم بحيث يقطع بأنه أكل من ماله أكثر مما بذله ، ولذلك قال الله تعالى : { والله يعلم المفسد من المصلح } أي يعرف المفسد لما يتناوله من تفاوت المقابلة ، والأولى بالولي والوصي أن يخالطا اليتيم بما يعلمان أن اليتيم يأكل بقدر ماله أو أكثر منه .

فإن قيل لو كانت المخالطة من باب المقابلة لأدى ذلك إلى الربا للجهل بالمماثلة ، ولأن معظم الأطعمة خارج عن حال كمال المأكول ، فيجاب عن ذلك بأن هذا رخصة من المستثنيات للحاجات العامة فلا يتقاعد عن رخصة العرايا في الجهل بالمماثلة وخروج الرطب عن حال الكمال ، بل لو علمت المفاضلة ههنا بين المخالطين لجاز في مخالطة غير الأيتام ، وكذلك في الأيتام ، إذا كان ما يأكل اليتيم أكثر من ماله للحاجة إلى ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية