الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  4802 [ ص: 86 ] 28 - حدثنا مسدد ، حدثنا يحيى ، عن عبيد الله قال : حدثني سعيد بن أبي سعيد ، عن أبيه ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله : " ولدينها " ولا سيما أمر فيه بطلب ذات الدين ودعا له أو عليه بقوله : " تربت يداك " إذا ظفر بذات الدين وطلب غيرها ، وإنما قلنا له أو عليه لاستعمال تربت يداك في النوعين على ما نذكر الآن .

                                                                                                                                                                                  ويحيى : هو ابن سعيد القطان ، وعبيد الله بن عمر العمري ، وسعيد بن أبي سعيد المقبري يروي عن أبيه ، أبي سعيد واسمه كيسان ، عن أبي هريرة والحديث أخرجه مسلم في النكاح أيضا ، عن محمد وغيره ، وأخرجه أبو داود فيه ، عن مسدد به ، وأخرجه النسائي فيه ، عن عبيد الله بن سعيد به ، وأخرجه ابن ماجه ، عن يحيى بن حكيم .

                                                                                                                                                                                  قوله : " تنكح المرأة " على صيغة المجهول والمرأة مرفوع به ، قوله : " لأربع " أي لأربع خصال ، قوله : " لمالها " لأنها إذا كانت صاحبة مال لا تلزم زوجها بما لا يطيق ولا تكلفه في الإنفاق وغيره ، وقال المهلب: هذا دال على أن للزوج الاستمتاع بمالها فإنه يقصد لذلك فإن طابت به نفسا فهو له حلال ، وإن منعته فإنما له من ذلك بقدر ما بذل من الصداق واختلفوا إذا أصدقها وامتنعت أن تشتري شيئا من الجهاز فقال مالك : ليس لها أن تقضي به دينها وأن تنفق منه ما يصلحها في عرسها إلا أن يكون الصداق شيئا كثيرا فتنفق منه شيئا يسيرا في دينها ، وقال أبو حنيفة ، والثوري ، والشافعي : لا تجبر على شراء ما لا تريد والمهر لها تفعل فيه ما شاءت .

                                                                                                                                                                                  قوله : " ولحسبها " هو إخبار ، عن عادة الناس في ذلك والحسب ما يعده الناس من مفاخر الآباء ، ويقال : الحسب في الأصل الشرف بالآباء وبالأقارب مأخوذ من الحساب لأنهم كانوا إذا تفاخروا عدوا مناقبهم ومآثر آبائهم وقومهم وحسبوها فيحكم لمن زاد عدده على غيره وقيل : المراد بالحسب هنا الفعال الحسنة ، وقيل : المال وهذا ليس بشيء ; لأن المال ذكر قبله .

                                                                                                                                                                                  قوله : " وجمالها " ; لأن الجمال مطلوب في كل شيء ولا سيما في المرأة التي تكون قرينته وضجيعته ، قوله : " ولدينها " لأنه به يحصل خير الدنيا والآخرة واللائق بأرباب الديانات وذوي المروآت أن يكون الدين مطمح نظرهم في كل شيء ولا سيما فيما يدوم أمره ، ولذلك اختاره الرسول صلى الله عليه وسلم بآكد وجه وأبلغه فأمر بالظفر الذي هو غاية البغية فلذلك قال : فاظفر بذات الدين فإن بها تكتسب منافع الدارين تربت يداك إن لم تفعل ما أمرت به .

                                                                                                                                                                                  وقال الكرماني : فاظفر جزاء شرط محذوف أي إذا تحققت تفصيلها فاظفر أيها المسترشد بها .

                                                                                                                                                                                  واختلفوا في معنى تربت يداك فقيل : هو دعاء في الأصل إلا أن العرب تستعملها للإنكار والتعجب والتعظيم والحث على الشيء وهذا هو المراد به هاهنا ، وفيه الترغيب في صحبة أهل الدين في كل شيء ; لأن من صاحبهم يستفيد من أخلاقهم ويأمن المفسدة من جهتهم ، وقال محي السنة : هي كلمة جارية على ألسنتهم كقولهم : لا أب لك ولم يريدوا وقوع الأمر ، وقيل : قصده بها وقوعه لتعدية ذوات الدين إلى ذوات المال ونحوه أي تربت يداك إن لم تفعل ما قلت لك من الظفر بذات الدين ، وقيل : معنى تربت يداك أي لصقت بالتراب وهو كناية عن الفقر ، وحكى ابن العربي أن معناه استغنت يداك ورد بأن المعروف أترب إذا استغنى وترب إذا افتقر ، وقيل : معناه ضعف عقلك ، وقال القرطبي : معنى الحديث أن هذه الخصال الأربع هي التي ترغب في نكاح المرأة لا أنه وقع الأمر بذلك بل ظاهره إباحة النكاح لقصد كل من ذلك لكن قصد الدين أولى قال : ولا يظن أن هذه الأربع تؤخذ منها الكفاءة أي تنحصر فيها فإن ذلك لم يقل به أحد ، وإن كانوا اختلفوا في الكفاءة ما هي ، انتهى . وقال المهلب: الأكفاء في الدين هم المتشاكلون وإن كان في النسب تفاضل بين الناس ، وقد نسخ الله ما كانت تحكم به العرب في الجاهلية من شرف الأنساب بشرف الصلاح في الدين فقال : إن أكرمكم عند الله أتقاكم وقال ابن بطال : اختلف العلماء في الأكفاء منهم ، فقال مالك : في الدين دون غيره ، والمسلمون أكفاء بعضهم لبعض فيجوز أن يتزوج العربي والمولى القرشية روي ذلك عن عمر ، وابن مسعود ، وعمر بن عبد العزيز ، وابن سيرين واستدلوا بقوله تعالى : إن أكرمكم عند الله أتقاكم وبحديث سالم وبقوله صلى الله عليه وسلم : " عليك بذات الدين " وعزم عمر رضي الله تعالى عنه أن يزوج ابنته من سلمان رضي الله عنه ، وبقوله صلى الله عليه وسلم : يا بني بياضة أنكحوا أبا هند فقالوا : يا رسول الله [ ص: 87 ] أنزوج بناتنا من موالينا فنزلت : يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى الآية ، رواه أبو داود وقال صلى الله عليه وسلم : فيما رواه الترمذي من حديث أبي هريرة إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه قال : ورواه أبو الليث ، عن ابن عجلان ، عن أبي هريرة مرسلا ، وقال أبو حنيفة : قريش كلهم أكفاء بعضهم لبعض ولا يكون أحد من العرب كفؤا لقرشي ، ولا أحد من الموالي كفؤا للعرب ، ولا يكون كفؤا من لا يجد المهر والنفقة ، وفي التلويح : احتج له بما رواه نافع ، عن مولاه مرفوعا قريش بعضها لبعض أكفاء إلا حائك أو حجام ، قال ابن أبي حاتم : سألت أبي عنه فقال : هو حديث منكر ورواه هشام الرازي فزاد فيه أو دباغ قلت : هذا الحديث رواه الحاكم ، حدثنا الأصم الصنعاني ، حدثنا شجاع بن الوليد ، حدثنا بعض إخواننا ، عن ابن جريج ، عن عبد الله بن أبي مليكة ، عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم العرب بعضهم أكفاء لبعض قبيلة بقبيلة ورجل برجل والموالي بعضهم أكفاء لبعض قبيلة بقبيلة ورجل برجل إلا حائك أو حجام ، وقال صاحب التنقيح : هذا منقطع إذ لم يسم شجاع بن الوليد بعض إخوانه ورواه البيهقي ورواه أبو يعلى الموصلي في مسنده من حديث بقية بن الوليد ، عن زرعة بن عبد الله والزبيدي ، عن عمران بن أبي الفضل الأيلي ، عن نافع ، عن ابن عمر نحوه سواء قال ابن عبد البر : هذا حديث منكر موضوع ، وقد روى ابن جريج ، عن ابن أبي مليكة ، عن ابن عمر مرفوعا مثله ، ولا يصح عن ابن جريج ، ورواه ابن حبان في كتاب الضعفاء وأعله بعمران بن أبي الفضل ، وقال : إنه يروي الموضوعات عن الأثبات لا يحل كتب حديثه ، وقالوا في اعتبار الكفاءة أحاديث لا تقوم بأكثرها الحجة ، وأمثلها حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه رواه الترمذي ، حدثنا قتيبة ، حدثنا عبد الله بن وهب ، عن سعيد بن عبد الله الجهني ، عن محمد بن عمر بن علي ، عن أبيه علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : يا علي ثلاث لا تؤخرها الصلاة إذا أتت ، والجنازة إذا حضرت ، والأيم إذا وجدت كفؤا وقال الترمذي : غريب وما أرى إسناده متصلا وأخرجه الحاكم كذلك ، وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية