الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  4926 153 - حدثنا محمود ، حدثنا أبو أسامة ، حدثنا هشام قال : أخبرني أبي ، عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت : تزوجني الزبير وما له في الأرض من مال ولا مملوك ولا شيء غير ناضح وغير فرسه ، فكنت أعلف فرسه وأستقي الماء ، وأخرز غربه وأعجن ، ولم أكن أحسن أخبز ، وكان يخبز جارات لي من الأنصار وكن نسوة صدق ، وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على رأسي ، وهي مني على ثلثي فرسخ ، فجئت يوما والنوى على رأسي فلقيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه نفر من الأنصار ، فدعاني ، ثم قال : إخ إخ ! ليحملني خلفه ، فاستحييت أن أسير مع الرجال وذكرت الزبير وغيرته ، وكان أغير الناس ، فعرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أني قد استحييت فمضى ، فجئت الزبير فقلت : لقيني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى رأسي النوى ومعه نفر من أصحابه ، فأناخ لأركب فاستحييت منه وعرفت غيرتك ! فقال : والله لحملك النوى كان أشد علي من ركوبك معه . قالت : حتى أرسل إلي [ ص: 208 ] أبو بكر بعد ذلك بخادم يكفيني سياسة الفرس ، فكأنما أعتقني ! .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله " وذكرت الزبير وغيرته " ، وفي قوله " وعرفت غيرتك " .

                                                                                                                                                                                  ومحمود هو ابن غيلان - بالغين المعجمة - المروزي ، وأبو أسامة هو حماد بن أسامة ، وهشام هو ابن عروة بن الزبير بن العوام .

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه البخاري في الخمس مقتصرا على قصة النوى ، وأخرجه مسلم في النكاح عن إسحاق بن إبراهيم وفي الاستئذان عن أبي كريب ، وأخرجه النسائي في عشرة النساء عن محمد بن عبد الله بن المبارك المخزومي .

                                                                                                                                                                                  قوله ( الزبير ) هو ابن العوام .

                                                                                                                                                                                  قوله ( من مال ) ، والمال في الأصل ما يملك من الذهب والفضة ، ثم أطلق على كل ما يقتنى ويملك من الأعيان ، وأكثر ما يطلق المال عند العرب على الإبل لأنها كانت أكثر أموالهم ، والظاهر أن المراد بالمال هنا الإبل لأنها أعز أموال العرب .

                                                                                                                                                                                  قوله ( ولا مملوك ) عطف خاص على عام ، والمراد به العبيد والإماء .

                                                                                                                                                                                  قوله ( ولا شيء ) عطف عام على خاص ، وهو يشمل كل ما يتملك ويتمول ، لكن أرادت إخراج ما لا بد منه من مسكن وملبس ومطعم ونحوها من الضروريات ، ولهذا استثنت منه الناضح وهو الجمل الذي يستقى عليه ، فإن قلت : الأرض التي أقطع رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - للزبير رضي الله تعالى عنه من أعز الأموال وأفخرها ! قلت : لم تكن مملوكة له ولا يملك رقبتها ، وإنما ملك منفعتها ، فلذلك لم تستثنها أسماء رضي الله تعالى عنه .

                                                                                                                                                                                  قوله ( فكنت أعلف فرسه ) ، وزاد مسلم في رواية أبي كريب عن أبي أسامة " وأكفيه مؤنته وأسوسه وأدق النوى وأرضخه وأعلفه " ، ولمسلم أيضا من طريق ابن أبي مليكة عن أسماء " كنت أخدم الزبير خدمة البيت ، وكان له فرس وكنت أسوسه ، فلم يكن من خدمته شيء أشد علي من سياسة الفرس ; كنت أحتش له فأقوم عليه " .

                                                                                                                                                                                  قوله ( وأستقي الماء ) ، وفي رواية السرخسي " وأسقي " بغير التاء المثناة من فوق ، وهو على حذف المفعول ; أي وأسقي الفرس أو الناضح الماء ، وأستقي الذي هو من باب الافتعال أشمل وأكثر فائدة .

                                                                                                                                                                                  قوله ( وأخرز ) بخاء معجمة وراء ثم زاي ، من الخرز وهو الخياطة في الجلود ونحوها .

                                                                                                                                                                                  قوله ( غربه ) بفتح الغين المعجمة وسكون الراء وبالباء الموحدة ، وهو الولد الكبير .

                                                                                                                                                                                  قوله ( ولم أكن أحسن ) بضم الهمزة ، و ( أخبز ) بفتح الهمزة ، والمعنى : ولم أكن أحسن أن أخبز الخبز .

                                                                                                                                                                                  قوله ( وكان تخبز جارات لي ) ، وهو جمع جارة ، وفي رواية مسلم : وكان يخبز لي .

                                                                                                                                                                                  قوله ( وكن ) ; أي الجارات ( نسوة صدق ) بالإضافة والصفة ، والصدق بمعنى الصلاح والجودة ، أرادت كن نساء صالحات في حسن العشرة والوفاء بالعهد ورعاية حق الجوار .

                                                                                                                                                                                  قوله ( وكنت أنقل النوى من أرض الزبير ) ، وكانت هذه الأرض مما أفاء الله تعالى على رسوله من أموال بني النضير ، وكان النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - أقطعه إياها ، وكان ذلك في أوائل قدوم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة .

                                                                                                                                                                                  قوله ( وهي مني ) ; أي الأرض المذكورة من مكان سكناي ( على ثلثي فرسخ ) ، والفرسخ ثلاثة أميال ، كل ميل أربعة آلاف خطوة .

                                                                                                                                                                                  قوله ( والنوى ) الواو فيه للحال .

                                                                                                                                                                                  قوله ( إخ إخ ) بكسر الهمزة وسكون الخاء المعجمة ، وهي كلمة تقال عند إناخة البعير . وقال الزمخشري : نخ مشددة ومخففة صوت إناخته ، وهخ وإخ مثله .

                                                                                                                                                                                  قوله ( ليحملني خلفه ) أرادت به الارتداف ، وإنما عرض عليها الركوب لأنها ذات محرم منه ; لأن عائشة عنده - صلى الله تعالى عليه وسلم - وهي أختها ، أو كان ذلك قبل الحجاب كما فعل بأم صبية الجهنية .

                                                                                                                                                                                  قوله ( فاستحييت ) بياءين على الأصل ; لأن الأصل حيي ، وفي لغة " استحيت " بياء واحدة ، يقال : استحى واستحيى .

                                                                                                                                                                                  قوله ( قال : والله لحملك النوى ) ; أي قال الزبير لأسماء " والله لحملك النوى " ، اللام فيه للتأكيد ، و " حملك " مصدر مضاف إلى فاعله ، و " النوى " مفعوله ، ( كان أشد علي ) خبر المبتدإ ; أعني قوله " لحملك " فإنه مبتدأ .

                                                                                                                                                                                  قوله ( كان أشد علي من ركوبك معه ) كذا في رواية الأكثرين ، وفي رواية السرخسي " كان أشد عليك " ، وليست هذه اللفظة في رواية مسلم ، ووجه قول الزبير هذا أنه لا عار في الركوب مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بخلاف حمل النوى فإنه يتوهم منه الناس خسة النفس ودناءة الهمة وقلة التمييز ، وأما عدم العار في الركوب معه - صلى الله عليه وسلم - فلما ذكرنا عن قريب ، وأما وجه صبرها على ذلك وسكوت زوجها وأبيها على ذلك فلكونهما مشغولين بالجهاد وغيره وكانا لا يتفرغان للقيام بأمور البيت ولضيق ما بأيديهما عن استخدام من يقوم بذلك .

                                                                                                                                                                                  قوله ( حتى أرسل إلي ) بتشديد الياء ، و " أبو بكر " فاعل " أرسل " .

                                                                                                                                                                                  قوله ( بخادم يكفيني . . . ) إلى آخره ، وفي رواية لابن أبي مليكة عند مسلم : جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - سبي فأعطاها خادما . والتوفيق بينهما بأن السبي لما جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطى أبا بكر منه خادما ليرسله إلى بنته أسماء ، فصدق [ ص: 209 ] أن النبي - صلى الله عليه وسلم - هو المعطي ولكن وصل إليها بواسطة ، فافهم .

                                                                                                                                                                                  واستدل قوم بهذه القصة - منهم أبو ثور - على أن على المرأة القيام بجميع ما يحتاج إليه زوجها من الخدمة ، والجمهور أجابوا عن هذا بأنها كانت متطوعة بذلك ولم يكن لازما .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية