الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            فإن أقام البائع بينة أن المبيع هذا العبد ، والمشتري بينة أنه الأمة فلا تعارض إذ كل أثبت عقدا وهو لا يقتضي نفي غيره ، ويؤخذ منه أن صورتها أن لا تتفق البينتان ، على أنه لم يجر إلا عقد واحد فلا تعارض ، وحينئذ فتسلم الأمة للمشتري ويقر العبد بيده إن كان قبضه وله التصرف فيه ظاهرا بما شاء للضرورة .

                                                                                                                            نعم قال الشيخ أبو حامد إلا بالوطء لو كان أمة لاعترافه بتحريم ذلك عليه [ ص: 162 ] وعليه نفقة ذلك ، قال الأذرعي : وهذا في الظاهر ، أما في الباطن فالحكم محال على حقيقة الصدق والكذب ، فإن كان بيد البائع فهل يجبر مشتريه على قبوله لإقرار البائع له به أو يترك عند القاضي حتى يدعيه وينفق حينئذ عليه من كسبه وإلا بيع إن رآه وحفظ ثمنه أو يبقى بيد البائع على قياس من أقر لغيره بشيء ، وهو ينكره خلاف ، والأصح منه الأخير كما دل عليه كلام الأنوار ، وقد علم أنه على قول التحالف يكون قياس ما مر أن محله إذا لم تؤرخ البينتان بتاريخين وإلا قضى بمتقدمة التاريخ وإذا وقع التحالف ( فيحلف كل ) منهما ( على نفي قول صاحبه وإثبات قوله ) لما مر من أن كلا مدع ومدعى عليه فينفي ما ينكره ويثبت ما يدعيه هو .

                                                                                                                            نعم إنما يحلف الثاني بعد أن يعرض عليه ما حلف عليه الأول فينكر ، قاله المحاملي وتبعه السبكي قال : ويشبه أن يكون العرض المذكور مستحبا ، ومعلوما أن الوارث في الإثبات يحلف على البت وفي النفي على نفي العلم ، وفي معنى الوارث سيد العبد المأذون له لكنه يحلف على البت في الطرفين ( ويبدأ ) في اليمين بالبائع ، استحبابا لأن جانبه أقوى بعود المبيع الذي هو المقصود بالذات إليه بالفسخ الناشئ عن التحالف ، ولأن ملكه على الثمن قد تم بالعقد وملك المشتري على المبيع لا يتم إلا بالقبض ، ولأنه يأتي بصورة العقد وصورة المسألة أن المبيع معين والثمن في الذمة ومن ثم بدئ بالمشتري في عكس ذلك لأنه أقوى حينئذ ، ويخير الحاكم بالبداءة بأيهما أداه إليه اجتهاده فيما إذا كانا معينين أو في الذمة ( وفي قول يبدأ [ ص: 163 ] بالمشتري ) لقوة جانبه بالمبيع ( وفي قول يتساويان ) لأن كل واحد منهما مدع ومدعى عليه فلا ترجيح وعليه ( فيتخير الحاكم ) فيمن يبدأ به منهما ( وقيل يقرع ) بينهما فمن قرع بدئ به والزوج في الصداق كالبائع فيبدأ به لقوة جانبه ببقاء التمتع له كما قوي جانب البائع بعود المبيع له ، ولأن أثر التحالف يظهر في الصداق لا في البضع وهو باذله فكان كبائعه ، والخلاف في الاستحباب لحصول المقصود بكل تقدير .

                                                                                                                            ( والصحيح أنه يكفي كل واحد ) منهما ( يمين تجمع نفيا ) لقول صاحبه ( وإثباتا ) لقوله لاتحاد الدعوى ومنفى كل في ضمن مثبته فجاز التعرض في اليمين الواحدة للنفي والإثبات ، والثاني يفرد النفي بيمين والإثبات بأخرى ، وفي تعبيره بيكفي إشعار بجواز العدول إلى يمينين وهو الظاهر ، بل يظهر استحبابهما خروجا من الخلاف لأن في مدركه قوة وإن أشعر كلام الماوردي بمنعهما إذ لا معول على ذلك ( ويقدم ) في اليمين ( النفي ) استحبابا لا وجوبا لأنه الأصل في اليمين إذ حلف المدعي على قوله إنما هو لنحو قرينة لوث أو نكول ولإفادة الإثبات بعده بخلاف العكس ، وإنما لم يكف الإثبات ولو مع الحصر كما بعت إلا بكذا لأن الأيمان لا يكتفى فيها باللوازم بل لا بد من الصريح لأن فيها نوعا من التعبد ( فيقول البائع ) عند اختلافهما في قدر الثمن ( والله ما بعت بكذا ولقد ) أو إنما وحذفه من أصله لما فيه من إيهام اشتراط الحصر ( بعت بكذا ) ويقول المشتري : والله ما اشتريت بكذا ولقد اشتريت بكذا ، ولو نكل أحدهما عن النفي والإثبات أو عن أحدهما قضي للحالف ، ولو نكلا جميعا ولو عن النفي فقط وقف أمرهما وكأنهما تركا الخصومة كما اختاره في الروضة من وجهين : ثانيهما أنه كتحالفهما ( وإذا تحالفا في الصحيح أن العقد لا ينفسخ ) بنفس التحالف لأن البينة أقوى من اليمين ، وللخبر الثاني فإن تخييره فيه بعد الحلف صريح في عدم الانفساخ به ، ولو أقام كل منهما بينة لم ينفسخ فبالتحالف أولى ( بل إن ) أعرضا عن الخصومة أعرض عنهما ولا ينفسخ .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : ويؤخذ منه ) أي من عدم التعارض ( قوله : أن لا تتفق البينتان ) أي صورة المسألة التي أقيمت فيها البينتان ( قوله : فلا ) تفريع على عدم اتفاق البينتين ( قوله : ويقر العبد بيده ) أي ويلزمه الثمنان لعدم [ ص: 162 ] التعارض فيهما ( قوله : وعليه نفقة ذلك ) أي العبد ( قوله : فالحكم محال ) أي موقوف ( قوله : فإن كان ) أي العبد ( قوله : أو يبقى بيد البائع ) أي وعليه نفقته ( قوله : أنه على قول التحالف ) أي فيما لو كان اختلفا في عين البيع والثمن في الذمة الذي قدم أنه المعتمد ( قوله : وإلا قضى بمتقدمة ) قد يتوقف فيه بأن ما هنا في قضيتين مختلفتين وأمكن الجمع بينهما فالقياس العمل بهما مع ما ذكر ا هـ سم على حج . أقول : إلا أن يقال إن ذلك مفروض فيما لو اتفقا على أنه لم يجر إلا عقد واحد ( قوله : فينفى ما ينكره ) أي صاحبه ( قوله : قال ) أي السبكي ( قوله : في الطرفين ) أي الإثبات والنفي لأن فعل عبده فعله ( قوله : استحبابا ) كما يستحب تقديم المسلم إليه والمؤجر في الإجارة والزوج في الصداق والسيد في الكتابة ا هـ أنوار . أقول : ويتوقف في المسلم إليه وينبغي تقديم المسلم مطلقا سواء كان رأس المال معينا في العقد أم لا لأنه وإن لم يكن معينا في العقد يصير بتعيينه في المجلس وقبض المسلم له كالمعين في العقد والثمن إذا كان [ ص: 163 ] معينا والمبيع في الذمة يبدأ بالمشتري والمسلم هنا هو المشتري في الحقيقة ( قوله : وعليه ) أي قوله يتساويان ( قوله : فمن قرع ) أي خرجت له القرعة ( قوله : فيبدأ به ) أي ندبا ( قوله : لقوة جانبه ) هذا التعليل يقتضي البداءة بالزوجة في عوض الخلع لكن في حواشي شرح الروض لوالد الشارح خلافه وعبارته قوله : والزوج في الصداق كالبائع لو قال والزوج في العوض لكان أشمل لئلا يخرج عنه الاختلاف في عوض الخلع وكذا قوله : ولأن أثر التحالف إلخ يقتضي البداءة بالزوجة لأنها الباذلة للعوض فليتأمل ما في حواشي شرح الروض فإنه لم ينقله عن أحد ولم يتعرض لرد ما اقتضاه التعليل هذا وقد يمنع القول بقوة جانب الزوجة في عوض الخلع لأنه بالتحالف والفسخ لا يعود البضع إليها وإنما يظهر أثر التحالف في الرجوع إلى مهر المثل ( قوله : ببقاء التمتع له ) أي الزوج ( قوله : وهو باذله ) أي الصداق ( قوله : وحذفه ) أي إنما وظاهره أن كلا منهما مذكور في المحرر وهو غير مراد بل المراد أن المذكور في المحرر إنما دون ولقد ، وعبارة المحلي وعدل إليها أي إلى ولقد بعت بكذا عن قول المحرر كالشارح وإنما بعت بكذا لأنه لا حاجة إلى الحصر بعد النفي ( قوله : ولو نكل أحدهما عن النفي ) أي عن مجموع ذلك فيصدق بما لو نكل عن أحدهما وحيث ذكرا وعن أحدهما تعين أن المراد من الأول أنه نكل عن كل منهما ( قوله : قضى للحالف ) ظاهره أن النكول لو كان من الثاني قضي للأول بيمينه بمجرد نكول الثاني وهو مشكل لأن اليمين كانت قبل النكول وهي قبله لا يعتد بها ( قوله : كتحالفهما ) أي فيفسخانه هما أو أحدهما أو الحاكم ( قوله : وإذا تحالفا ) عند الحاكم وألحق به المحكم فخرج تحالفهما بأنفسهما فلا يؤثر فسخا ولا لزوما ، ومثله فيما ذكر جميع الأيمان التي يترتب عليها فصل الخصومة فلا يعتد بها إلا عند الحاكم أو المحكم ( قوله : ولو أقام كل منهما بينة إلخ ) قد يتوقف [ ص: 164 ] في أن هذا مقتضى لقوة البينة على اليمين لتعارض البينتين في هذه وتساقطهما فكان لا بينة .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : يكون قياس ما مر أن محله إذا لم تؤرخ البينتان إلخ ) كتب الشهاب سم على نظير هذا من التحفة ما نصه : يقتضي الحكم بتعارضهما حينئذ ، وفيه نظر ; لأن كلا لا يقتضي نفي ما أثبته غيره فليتأمل ا هـ . وكتب عليه أيضا ما نصه : هكذا في شرح الروض عن السبكي ، وفيه نظر ، بل ينبغي العمل بالبينتين وإن اختلف تاريخهما .

                                                                                                                            ولا تحالف لاختلاف متعلقهما فلا تعارض بينهما بمجرد اختلاف التاريخ ، فإن ذكر ما يوجب التعارض اعتبر التعارض حينئذ فليتأمل ا هـ . ( قوله : فينفي ما ينكره ويثبت ما يدعيه هو ) لا يخفى أن الضمائر كلها راجعة إلى لفظ كل ، وهذه العبارة أصوب من قول الشهاب حج : فينفي ما ينكره غريمه ويثبت ما يدعيه هو ، لكن الشارح تبعه في إبراز الضمير وهو غير محتاج إليه في عبارته . ( قوله : ولأن ملكه على الثمن قد تم ) بمعنى أن العقد لا ينفسخ بتلفه بخلاف المبيع ( قوله : ولأنه يأتي بصورة العقد ) كان مراده أنه بلفظ بما قصد من العقد من مقابلة البيع بالثمن والمشتري إنما يقول قبلت مثلا وهذا بحسب الأصل والغالب ( قوله : لأنه أقوى حينئذ ) لا يخفى أنه لا يتأتى علة لقوته إلا العلة الثانية فقط ، وحينئذ فقد يقال ما وجه ترجيحه بها مع بقاء العلتين الأخيرتين [ ص: 163 ] في البائع . ( قوله : ولو أقام كل منهما بينة لم ينفسخ فبالتحالف أولى ) من تتمة قوله ; لأن البينة أقوى من اليمين فالواو [ ص: 164 ] فيه للحال ، وكان ينبغي له ذكره عقبه كما صنع الشهاب حج




                                                                                                                            الخدمات العلمية