الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( وإذا ) ( سقط رده بتقصير ) منه ( فلا أرش ) له لتقصيره فهو المفوت له ( ولو حدث عنده عيب ) لم يتقدم سببه في يد البائع وأطلع على عيب قديم ، وضابط الحادث هنا هو ضابط القديم فيما مر غالبا ، فمن غير الغالب نحو الثيوبة في الأمة فهي حادثة هنا بخلافها ثم في أوانها ، وكذا عدم نحو قراءة أو صنعة فلا رد به ثم وهنا لو اشترى قارئا ثم نسي امتنع الرد ، وتحريمها على البائع بنحو وطء مشتر هو ابنه ليس بحادث ( سقط الرد قهرا ) أي الرد القهري كما قاله الشارح مريدا به أن القهر صفة للرد لا للسقوط ، فيكون الساقط هو رده القهري ، فلو تراضيا على الرد كان جائزا ، بخلاف ما لو كان القهر صفة للسقوط فإنه يكون الرد ممتنعا مطلقا ، وامتناع الرد قهرا لأنه أخذه بعيب فلا يرده بعيبين ، والضرر لا يزال بالضرر ، ومن ثم لو زال الحادث كان له الرد وكذا لو كان الحادث هو التزويج من البائع أو غيره فقال قبل الدخول إن ردك المشتري بعيب فأنت طالق فله الرد لزوال المانع به ، ولا أثر لمقارنته للرد إذ المدار على زوال [ ص: 57 ] ضرر البائع بعد دخوله في ملكه وهو حاصل هنا فاندفع التوقف في ذلك .

                                                                                                                            والجواب عنه بإصلاح التصوير بأن يقول فأنت طالق قبيله ، ولو أقاله بعد حدوث عيب بيده فللبائع طلب أرشه لصحتها بعد تلف المبيع بالثمن فكذا بعد تلف بعضه ببعض الثمن ، ويؤخذ من صحتها بعد التلف صحتها بعد بيع المشتري وهو الأوجه أخذا من قولهم يغلب فيها أحكام الفسخ من قولهم يجوز التفاسخ بنحو التحالف بعد تلف المبيع أو بيعه أو رهنه أو إجارته ، وإذا جعل المبيع كالتالف فيسلم المشتري الأول مثل المثلي وقيمة المتقوم ، وأخذ البلقيني من ذلك صحة الإقالة بعد الإجارة علم البائع أو لا والأجرة المسماة للمشتري وعليه للبائع أجرة المثل ( ثم ) إذا سقط الرد القهري لحدوث العيب ( إن ) ( رضي به البائع ) من غير أرش عن الحادث ( رده المشتري ) عليه ( أو قنع به ) من غير أرش عن القديم لانتفاء الضرر حينئذ ( وإلا ) بأن لم يرض به البائع معيبا ( فليضم المشتري أرش الحادث إلى المبيع ويرد ) على البائع ( أو يغرم البائع ) للمشتري ( أرش القديم ولا يرد ) لأن كلا من ذلك فيه جمع بين المصلحتين ورعاية الجانبين ( فإن اتفقا على أحدهما ) ولم يكن المبيع ربويا بيع بجنسه ( فذاك ) ظاهر ، لأن الحق لهما لا يعدوهما ومن ثم تعين على ولي أو وكيل فعل الأحظ ، أما الربوي المذكور فيتعين فيه الفسخ مع أرش الحادث لما مر ، ولأنه [ ص: 58 ] لما نقص عنده لم يؤد لمفاضلة بين العوضين بخلاف إمساكه مع أرش القديم ومر ما لو تعذر رده لتلفه ومتى زال القديم قبل أخذ أرشه لم يأخذ أو بعد أخذه رده أو الحادث بعد أخذ أرش القديم أو القضاء به امتنع فسخه بخلاف مجرد التراضي لا يقال : تقدم أن أخذ أرش القديم بالتراضي ممتنع لأنا نقول : عند إمكان الرد يتخيل أن الأرش في مقابلة سلطنة الرد وهي لا تقابل بخلافه عند عدم إمكانه فإن المقابلة تكون عما فات من وصف السلامة في المبيع ( وإلا ) بأن لم يتفقا على شيء بأن طلب أحدهما الرد مع أرش الحادث والآخر الإمساك مع أرش القديم ( فالأصح إجابة من طلب ) الإمساك والرجوع بأرش القديم بائعا كان أو مشتريا لما فيه من تقرير العقد .

                                                                                                                            والثاني يجاب المشتري مطلقا لتلبيس البائع عليه .

                                                                                                                            والثالث يجاب البائع مطلقا لأنه إما غارم أو آخذ ما لم يرد العقد عليه بخلاف المشتري .

                                                                                                                            نعم لو صبغ الثوب بما زاد في قيمته ثم اطلع على عيبه فطلب المشتري أرش العيب وقال البائع بل أرده وأغرم لك قيمة الصبغ ولم يمكن فصل جميعه أجيب البائع ووجهه السبكي بأن المشتري هنا إذا أخذ الثمن وقيمة الصبغ لم يغرم شيئا ، وثم لو ألزمناه الرد وأرش الحادث غرمناه لا في مقابلة شيء ، وبذلك علم رد قول الإسنوي إنه مشكل خارج عن القواعد فإن أمكن فصل جميعه فصله ورد الثوب كما اقتضاه تعليله وصرح به الخوارزمي وغيره ، والمعنى يرده [ ص: 59 ] ثم يفصله نظير ما في الصوف ، ولو كان غزلا فنسجه ثم رأى به عيبا قديما فله الأرش ، فإن رضي البائع بعيبه ففيه قولان أصحهما كما قاله الروياني أنه يخير البائع بين بذل أجرة النسج وأخذه وغرامة الأرش لأن النسج عمل مقابل بعوض ، وحيث أوجبنا أرش الحادث لا تنسبه إلى الثمن بل يرد ما بين قيمة المبيع معيبا بالعيب القديم وقيمته معيبا به وبالحادث ، بخلاف أرش القديم فإنا ننسبه إلى الثمن كما مر .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : فهو المفوت له ) أي الأرش من حيث الخيار : أي خيار الشرط ( قوله : فيما مر غالبا ) ولو فسر الحادث هنا بما نقص العين أو القيمة عما كانت وقت القبض لم يحتج لزيادة غالبا ( قوله : في أوانها ) أي فإنها ليست عيبا ( قوله هو ابنه ) أي ابن البائع ( قوله : ليس بحادث ) أي فله بالرد كما إن وجد أن المشتري الأمة المبيعة محرمة عليه لا يقتضي الرد لكونه ليس عيبا قديما ( قوله : ممتنعا مطلقا ) أي تراضيا أو لا ( قوله : كان له الرد ) أي المشتري ( قوله فقال ) أي الزوج قبل الدخول خرج به ما لو كان بعده فلا يجوز له الرد لوجود العدة وهي عيب ( قوله : إن ردك المشتري بعيب ) سيأتي التعبير عن ذلك بما لو علق الزوج طلاقها بمضي نحو ثلاثة أيام ( قوله : لزوال المانع ) قال في شرح الروض : ولم تخلفه عدة ا هـ سم على حج ، وقوله ولم تخلفه : أي والحال إلخ بأن كان قبل الدخول وقوله به أي بالرد ( قوله : ولا أثر لمقارنته ) أي [ ص: 57 ] العيب للرد : أي فيما لو قال للزوج قبل الدخول إن إلخ ( قوله : ولو أقاله ) أي أقال البائع المشتري ويحصل بلفظ منهما كقول البائع أقلتك فيقول المشتري قبلت ( قوله : بعد حدوث عيب ) ظاهره بأجرة وذلك سواء علم به البائع قبل الإقالة أو لا .

                                                                                                                            وفي سم على منهج : لو فسخ المشتري والبائع جاهل بالحادث ثم علمه فله فسخ الفسخ ا هـ ع ب وقياسه هنا أن البائع إذا أقال جاهلا بحدوث العيب ثم علمه كان له فسخ الإقالة ( قوله : بيده ) أي المشتري ( قوله ببعض الثمن ) يقتضي أن الأرش هنا جزء من الثمن ، وقد تقدم أن الأرش الذي يأخذه البائع ينسب إلى القيمة لا إلى الثمن فيؤول قوله هنا ببعض الثمن بنحو قوله ما يقابل بعض الثمن ، لأن جزء القيمة في الغالب لا يزيد على قدر الثمن وإن اتفق ما بين قيمته سليما ومعيبا قدر مساوي الثمن أو يزيد عليه فذاك نادر ( قوله : ويؤخذ من صحتها ) أي الإقالة ( قوله : بعد بيع المشتري ) ويرد البائع الثمن على المشتري ويطالبه بالبدل الشرعي كما يأتي ويستمر ملك المشتري الثاني على المبيع ، قد وقع السؤال في الدرس عما لو اشترى مسلم أو كافر عبدا كافرا من كافر أو مسلم ثم أسلم العبد واطلع فيه على عيب قديم هل يكون إسلامه عيبا حادثا فيمنع من الرد أم لا ؟ قلت : الظاهر أن يقال : إن كان ذلك في محل تنقص قيمته فيه بالإسلام فلا رد له وإلا فله الرد ( قوله : يغلب فيها ) أي الإقالة ( قوله : فيسلم ) أي البائع المشتري إلخ ( قوله : وقيمة المتقوم ) ويطالبه البائع بمثل المبيع أو قيمته ( قوله : وعليه للبائع أجرة المثل ) أي لما بقي بعد الإقالة من المدة ، وهذا قد يشكل على ما قدمه من أن البائع إذا رضي برد المبيع مؤجرا أخذه مسلوب المنفعة مع الفرق بينه وبين الفسخ بالتحالف بأن البائع قبل باختياره بخلاف التحالف فتأمل ، اللهم إلا أن يقال : لما كانت الإقالة مطلوبة في الجملة كان البائع كالمجبر عليها لأمر الشارع بها فاستحق الأجرة ، بخلاف قبوله من المشتري إذا اطلع فيه على عيب فإن البائع مخير بين القبول والامتناع فقبوله للعين محض اختيار منه ( قوله : فيتعين إلخ ) أي أو الرضا به بلا طلب أرش القديم ا هـ سم على حج ( قول لما مر ) أي من لزوم المفاضلة ( قوله : ولأنه إلخ ) هذا التعليل [ ص: 58 ] قد يشعر بأن المراد بالنقص زوال بعض العين وهو غير مراد لأن الحكم لا يقيد به ، بل لو كان العيب نحو انصداع للحلي أو ابتلال للبر كان الحكم كذلك ، فالأولى في التعليل أن يقال : إنه لما فسخ العقد كان الأرش للعيب الحادث في يده وليس ثم عقد بموجب الحرمة بسبب المفاوضة وعبارة حج : نعم الربوي المبيع بجنسه لو اطلع فيه على قديم بعد حدوث آخر يتعين فيه الفسخ مع أرش الحادث لأنه لما نقص عنده فلا يؤدي لمفاضلة بين العوضين إلخ وهي أوضح ( قوله لما نقص ) اللام للتعليل فكان الأولى زيادة فاء في لم يؤد ( قوله : ومر ما لو تعذر رده ) وهو أنه يفسخ العقد ويرد بدل التالف ويسترد الثمن ( قوله : أو بعد أخذه رده ) أي وإن طالت المدة جدا ا هـ سم على منهج .

                                                                                                                            وظاهره وإن كان زواله بفعل المشتري كإزالته بنحو دواء ولا شيء له في مقابلة الدواء ( قوله بخلاف مجرد التراضي ) أي يمنع الفسخ ( قوله وهي لا تقابل ) أي بعوض ( قوله : فالأصح إجابة من طلب الإمساك ) ظاهره وإن كان الآخر متصرفا عن غيره بنحو ولاية وكانت المصلحة في الرد ا هـ فليراجع سم على حج .

                                                                                                                            وينبغي أن يقال : إن كانت المصلحة في الرد وطلب الولي الإمساك لم يجز لما مر أن الولي إنما ينصرف بالمصلحة وإن طلبه غير الولي كالبائع لولي الطفل ، أجيب : لأن البائع لا تلزمه مراعاة مصلحة الطفل ووليه الآن غير متمكن من الرد ( قوله : مطلقا ) سواء طلب الإمساك أو الرد ( قوله : وأخذ ما ) أي شيئا ( قوله : لو صبغ الثوب ) أي مشتر وينبغي أن مثل الصبغ غيره من كل ما تزيد به القيمة ( قوله : بل أرده ) أي أقبله ، وعبارة حج : بل رده وهي ظاهرة ( قوله : أجيب البائع ) أي والقول قوله في قدر قيمة الصبغ لأنه غارم وظاهره سواء كان الصبغ عيبا أم لا ، وليس مرادا [ ص: 59 ] بل المراد الأول لأنه هو الذي يتأتى عليه التنازع وطلب الأرش ( قوله نظير ما في الصوف ) أي حيث يرد الحيوان ثم يجزه ( قوله : فله الأرش ) أي للمشتري ( قوله فإن رضي البائع بعيبه ) وهو النسج ، والمراد رضي بأخذه منسوجا هذا هو الظاهر ، لكن لا يناسبه قوله يخير البائع ( قوله فإنا ننسبه إلى الثمن ) أي لبقاء العقد المضمون بالثمن وأما الحادث فهو بعد فسخ العقد فهو بدل الفائت من المبيع المضمون عليه باليد .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : صفة للرد ) أي في المعنى وكذا يقال في المنفي ، وقد يقال في الثاني إن المراد فيه الصفة الاصطلاحية إن التقدير عليه سقط سقوطا قهريا بمعنى قهريا فهو وصف لموصوف محذوف . ( قوله : فقال ) أي ذلك الغير للعلم بزوال المانع في مسألة تزويجها من البائع بمجرد الفسخ إذ ينفسخ به النكاح . ( قوله : قبل الدخول ) كان ينبغي تأخيره عن قوله فله الرد ; إذ لا فائدة في القول قبل الدخول إذا وقع الرد بعد الدخول وخرج ب قبل الدخول ما بعد الدخول ; لأنه تعقبه العدة وهي عيب كما مر [ ص: 57 ] قوله : فكذا بعد تلف بعضه ببعض الثمن ) سيأتي أن الأرش المأخوذ من المشتري جزء من القيمة لا من الثمن ، فانظر ما معنى هذا التعليل . ( قوله : لما مر ) انظر ما مراده به وما الداعي إليه مع ما بعده ، وليس هو في عبارة التحفة المساوية لعبارة الشارح [ ص: 58 ] قوله : لا يقال إلخ ) هو تابع في إيراد هذا السؤال ، والجواب لشرح الروض لكن لم يتقدم في كلام الشارح ما أحال عليه ، بخلاف شرح الروض فإنه تقدم فيه في المتن أنه إذا ثبت الرد قهرا ليس له أن يصالح على تركه على مال بل يسقط رده بذلك إن علم المنع ، ولما كان مشكلا على ما هنا من غرم البائع أرش القديم وعدم الرد ذكر إشكاله ثم أجاب عنه بما ذكر . ( قوله : نعم لو صبغ الثوب ) أي : والصورة أنه ليس هناك عيب حادث وإن أوهمه الاستدراك بنعم فكان الأولى أن يبدله بقوله وفارق ما هنا ما لو صبغ الثوب إلخ .

                                                                                                                            واعلم أن في مسألة الصبغ المذكور تفصيلا طويلا في الروضة وغيرها [ ص: 59 ] قوله : نظير ما في الصوف ) أي الحادث عنده . ( قوله : فإن رضي البائع بعيبه ) يعني فإن رضي به منسوجا




                                                                                                                            الخدمات العلمية