الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            وإن ( تراضيا ) [ ص: 164 ] على ما قاله أحدهما أقر العقد ، وينبغي للحاكم ندبهما للتوافق ما أمكن ، ولو رضي أحدهما بدفع ما طلبه صاحبه أجبر الآخر عليه ( وإلا ) بأن لم يتفقا على شيء واستمرا على النزاع ( فيفسخانه أو أحدهما ) لأنه فسخ لاستدراك الظلامة فأشبه الفسخ بالعيب ( أو الحاكم ) لقطع المنازعة ثم فسخ الحاكم ، والصادق منهما ينفذ ظاهرا وباطنا كالإقالة وغيره ينفذ ظاهرا فقط ، ورجح ابن الرفعة عدم وجوب الفور هنا ، ولا يشكل عليه ما مر من إلحاقه بالعيب فقد يفرق بأن التأخير غير مشعر بالرضا للاختلاف في وجود المقتضى بخلافه ثم ومنازعة الإسنوي في قياس ما تقرر على الإقالة الذي نقلاه وأقراه بأن كلا لو قال ولو بحضور صاحبه بعد البيع فسخته لم ينفسخ ولم يكن إقالة ، إذ لا تحصل إلا إن صدرت بإيجاب وقبول بشرطه المار مردودة بأن تمكين كل بعد التحالف من الفسخ كتراضيهما به : أي بلفظ الإقالة فالقياس صحيح وأن لكل الابتداء بالفسخ ، وبه صرح الرافعي وإن نازع فيه السبكي ( وقيل إنما يفسخه الحاكم ) لأنه مجتهد فيه كالفسخ بالعنة ، وكأنهم إنما اقتصروا في الكتابة على فسخ الحاكم احتياطا لسبب العتق المتشوف إليه الشارع وعلم من عدم انفساخه بنفس التحالف جواز وطء المشتري الأمة المبيعة حال النزاع وقبل التحالف وبعده أيضا على أوجه الوجهين لبقاء ملكه ، بل قضية تعليلهم جوازه أيضا بعد الفسخ إذا لم يزل به ملك المشتري وهو كذلك ( ثم ) بعد الفسخ ( على المشتري رد المبيع ) إن كان باقيا في ملكه [ ص: 165 ] لم يتعلق به حق لازم لغيره بزوائده المتصلة لتبعيتها للأصل دون المنفصلة قبل الفسخ ولو قبل القبض ، لأن الفسخ يرفع العقد من حينه لا من أصله .

                                                                                                                            وشمل ذلك ما لو نفذ الفسخ ظاهرا فقط ، واستشكال السبكي له بأن فيه حكما للظالم أجاب هو عنه بأن الظالم لما لم يتعين اغتفر ذلك ، وعلى البائع رد الثمن المقبوض كذلك ، ومؤنة الرد على الراد كما أفهمه التعبير برد ، إذ القاعدة أن من كان ضامنا لعين فمؤنة ردها عليه ( فإن كان ) تلف شرعا كأن ( وقفه ) المشتري ومثله البائع في الثمن ( أو أعتقه أو باعه ) أو تعلق به حق لازم ككتابة صحيحة ( أو ) حسا كأن ( مات لزمه قيمته ) إن كان متقوما ولو زادت على ثمنه ، ومثله إن كان مثليا على المشهور كما في المطلب وإن أوهمت عبارة المصنف وجوب القيمة مطلقا وصححه في الحاوي ، بل كثيرا ما يعبرون بالقيمة ويريدون بها البدل شرعا ، ولو تلف بعضه رد الباقي وبدل التالف : قال في العباب بالرضا ، ومراده بذلك مجيء ما تقدم في رد المعيب وإمساك الباقي ، وفي الروضة إشارة لذلك ويرد قيمة الرقيق الآبق للحيلولة ( وهي ) أي القيمة حيث لزمت ( قيمة يوم ) أي وقت ، وتعبيرهم باليوم جرى على الغالب من عدم اختلافه فيه ( التلف ) حسا أو شرعا ( في أظهر الأقوال ) إذ مورد الفسخ العين والقيمة بدل عنها فلتعتبر عند فوات أصلها ، وفارق اعتبارها بما ذكر اعتبارها لمعرفة الأرش بأقل قيمتي العقد والقبض ، كما مر بأن النظر إليها ثم لا ليغرم بل ليعرف منها الأرش ، وهنا المغروم القيمة فكان اعتبار حالة الإتلاف أليق ، قاله الرافعي .

                                                                                                                            والثاني قيمة يوم القبض لأنه يوم دخوله في ضمانه ، والثالث أقل القيمتين يوم العقد والقبض .

                                                                                                                            والرابع أقصى القيم من يوم القبض إلى يوم التلف لأن يده يد ضمان فتعتبر أعلى القيم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : أجبر الآخر عليه ) قال القاضي : وليس له الرجوع عن رضاه كما لو رضي بالعيب ا هـ حج ( قوله : واستمرا على النزاع ) يشعر بأنه لو بادر أحدهما للفسخ عقب التحالف لم ينفسخ ، وفي كلام حج أن الاستمرار ليس بشرط ، وعبارته وأن لا يتفقا على شيء ولا أعرضا عن الخصومة وهو ظاهر في أنه إذا بادر أحدهما وفسخ انفسخ ( قوله : ما تقرر ) أي من أن لكل الفسخ بعد التحالف ( قوله : بشرطه المار في البيع ) من كون القبول متصلا بالإيجاب والقبول بأن لا يتخلل بينهما كلام أجنبي وسكوت طويل على ما مر ( قوله : بأن تمكين كل ) أي هنا ( قوله : إنما اقتصروا في الكتابة إلخ ) لكن صريح كلام الشارح في الكتابة أنها كغيرها من أن الفاسخ الحاكم أو هما أو أحدهما ( قوله : إذا لم يزل به ملك المشتري ) أي بأن فسخه الكاذب ( قوله : ثم بعد فسخ المشتري ) لو تقارا بأن قالا أبقينا العقد على ما كان عليه أو أقررناه عاد العقد بعد فسخه لملك المشتري من غير صيغة بعت واشتريت وإن وقع ذلك بعد مجلس الفسخ الأول هكذا بهامش عن الزيادي ، ثم رأيت الشارح في القراض في أول فصل لكل فسخه إلخ صرح بذلك فراجعه [ ص: 165 ] قوله : لم يتعلق به حق لازم ) قيد زائد على ما أفاده كلام المصنف ، وعبارة حج قبضه أي المشتري وبقي بحاله ولم يتعلق به حق لازم ( قوله : لأن الفسخ إلخ ) معتمد .

                                                                                                                            ( قوله : ظاهرا فقط ) أي بأن فسخه الكاذب منهما ( قوله : كذلك ) أي بزوائده المتصلة ( قوله : بل كثيرا إلخ ) لكن حمل كلام المصنف على هذا يلزمه عدم ذكر الخلاف في المثلي حيث جعلت العبارة شاملة له لكنه لا يضر لأنه كثيرا ما يفعل ذلك لأنه إنما التزم ذكر خلاف المحرر ( قوله : قال في العباب ) لم يذكره ج ، ولعله لأن ما ذكره عن العباب قد يمنع لأنه حيث انفسخ العقد تعين رد ما وجد من المبيع وإن لم يرض صاحبه ، وأما قوله : ومراده إلخ فيه نظر لأن ما تقدم في رد المعيب ليس فيه فسخ قبله للعقد فتعذر الرد لتفريق الصفقة ثم ، وما هنا حصل فيه الفسخ بعد التحالف فلا طريق إلى إبقاء العقد ، فلعل المراد أن البائع إذا لم يرض برد الباقي وبدل التالف أخذ قيمة الجميع لا أن له المنع من الفسخ فيتأمل فإنه لم تنحسم مادة النظر بذلك أيضا ( قوله : فلتعتبر عند فوات أصلها ) وهو أولى بذلك من المستلم والمعار ا هـ حج ، وقد صرحوا فيهما بأن العبرة بقيمة يوم التلف ، ونقل عن والد الشارح وفي فتاويه هو أيضا ما يوافقه ، وعن الزيادي ما يخالفه ، وفي عميرة ما يوافق الزيادي من أنه يضمن بأقصى القيم ( قوله : بأقل قيمتي العقد ) أي وقتي العقد إلخ .

                                                                                                                            ( قوله : قاله الرافعي ) قال حج : وفرق بين اعتبار قيمة يوم التلف هنا وبين ما لو باع عينا فردت عليه بعيب وقد تلف الثمن المتقوم بيد البائع فإنه يضمنه الأقل من العقد إلى القبض بأن سبب الفسخ هنا حلف البائع فنزل منزلة إتلافه فتعين النظر ليوم التلف ، وثم الموجب للقيمة هو مجرد ارتفاع العقد من غير نظر لفعل أحد فتعين النظر لقضية العقد وما بعده إلى القبض ، قال : وكالرد بالعيب ثم مطلق الفسخ بإقالة أو نحوها وكالثمن ثم المبيع لو تلف عند المشتري ففيهما يعتبر الأقل [ ص: 166 ] المذكور لا قيمة يوم التلف ا هـ .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : ومنازعة الإسنوي في قياس ما تقرر على الإقالة ) أي بالنسبة لجواز استقلال أحدهما بالفسخ كما يعلم من جوابه . ( قوله : أي بلفظ الإقالة ) أشار به إلى رد ما ذهب إليه الشهاب حج تبعا لما نقله الشيخان في بعض المواضع من أن لهما التراضي على الفسخ من غير سبب ، وعبارته هنا ورد : أي الإسنوي بأن تمكين كل بعد التحالف من الفسخ كتراضيهما به من غير سبب ، وقد مر أنه في معنى الإقالة فصح القياس . ( قوله : أو ; لأن لكل الابتداء بالفسخ إلخ ) صريح هذا السياق أن هذا جواب ثان عن منازعة الإسنوي ، وليس كذلك فإنه لا يتأتى ، إذ معنى كلام الرافعي أن لكل منهما البداءة بالفسخ فلا يقال إنه يبدأ بالبائع فيما إذا كان المبيع معينا والثمن في الذمة وبالمشترى في عكسه كما يعلم من التحفة فلا يصح جوابا عن منازعة الإسنوي التي حاصلها أن قياس الإقالة أنه لا يصح الفسخ من أحدهما دون الآخر وأنه لا بد من فسخهما معا . ( قوله : إذا لم يزل به ملك المشتري ) أي كأن كان مرهونا ولم يصبر البائع إلى فكاكه كما سيأتي




                                                                                                                            الخدمات العلمية