الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ولو ) ( علم بالعيب ) في المبيع ( بعد زوال ملكه ) عنه أو عن بعضه بعوض أو غيره ( إلى غيره ) وهو باق بحاله في يد الثاني أو بعد نحو رهنه عند غير البائع أو إباقه أو كتابته كتابة صحيحة أو غصبه أو إجارته ولم يرض البائع بأخذه مؤجرا ( فلا أرش ) له ( في الأصح ) لأنه لم ييأس من الرد لأنه قد يعود له ، فإن رضي به مسلوبها رد عليه ، [ ص: 46 ] وقضية كلامهم عدم مطالبة المشتري بأجرة مثل تلك المدة وهو موافق لنظائره من الفسخ بالفلس ومن رجوع الأصل فيما وهبه من فرعه ومن رجوع الزوج في نصف الصداق وقد طلق قبل الدخول ، ويفارق ذلك ما يأتي في التحالف من أن للبائع على المشتري بعد الفسخ أجرة المثل بأن الفسخ فيما ذكر لا يحصل إلا باختيار من يرد العين إليه بخلافه في مسألة التحالف ، وفرق في الكفاية بأن للبائع هنا وللزوج مندوحة عن العين ، فلما رجعا فيها انحصر حقهما فيها مسلوبة المنفعة ، وليس للبائع في التحالف مندوحة عن العين فكان له بدل المنافع في مدة الإجارة .

                                                                                                                            والثاني نعم لأنه استدرك الظلامة وروج كما روج عليه ( فإن عاد الملك ) له فيه ( فله الرد ) لإمكانه سواء أعاد إليه بالرد بالعيب لزوال كل من العلتين أم بغيره كهبة أو إرث أو وصية أو بيع أو إقالة لانتفاء المانع ( وقيل إن عاد إليه بغير الرد بعيب فلا رد ) له لأنه استدرك الظلامة ، ومر أنه ضعيف وليس للمشتري الثاني رده على البائع الأول لأنه لم يملك منه ، فإن استرده البائع الثاني وقد حدث به عيب عند من اشترى منه خير البائع الأول بين استرجاعه وتسليم الأرش ولو لم يقبله البائع الثاني وطولب بالأرش رجع على بائعه لكن بعد التسليم كما في أصل الروضة ، وعلله بأنه ربما لا يطالبه فيبقى مستدركا للظلامة ، وقول الإسنوي وغيره أنه إنما يستقيم على أن العلة فيما إذا خرج [ ص: 47 ] المعيب عن ملكه بلا عوض استدرك الظلامة ، أما على الصحيح من أنها اليأس من الرد كما مر فيرجع سلم الأرش أم لا ، ولا نظر إلى إمكان العود بزوال العيب الحادث خلافا للشيخ أبي علي ، وهذا هو مقتضى كلام الرافعي فإنه صح جواز الرجوع ، ثم نقل ما تقدم عن أصل الروضة عن الشيخ أبي علي نقل الأوجه الضعيفة ، أجاب عنه الوالد رحمه الله تعالى بمنع حصول اليأس ، إذ قد يرضى البائع الثاني بأخذه معيبا بالحادث ويقبله البائع الأول كذلك فهو مستقيم على الصحيح .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : عند غير البائع ) مفهومه أن له الأرش إذا كان عند البائع والظاهر أنه غير مراد وإنما المراد أنه يفسخ العقد ويسترد الثمن ( قوله : أو إباقه ) أي والعيب الإباق ا هـ حج قال سم عليه أي وإلا فهو عيب حدث فله أرش العيب القديم فإن رضيه البائع مع الحادث فلا أرش عليه في الحال وإن هلك آبقا فله على البائع الأرش كذا في العباب ولم يزد الشارح في شرحه على تقديره وعلل قوله فله أرش العيب القديم بقوله لأنه أيس من الرد حينئذ لحدوث عيب الإباق بيده ا هـ فانظر لم لم يجر في ذلك ما يأتي في قول المصنف ولو حدث عنده عيب سقط الرد قهرا إلخ ( قوله : ولم يرض البائع ) قال في العباب وشرحه فإن رضي به البائع مؤجرا أي مسلوب المنفعة مدة الإجارة ولكنه ظن أن الأجرة له وفسخ ثم علم خلافه أي أنه لا أجرة له فله رد الفسخ كما في الأنوار قال كما لو رضي بالفسخ بالعيب القديم ثم علم أنه كان حدث عند المشتري عيب ، بخلاف الفسخ بالإقالة فإنه يرجع بأرش الحادث ولا ترد الإقالة ا هـ وعليه فيفرق بين الإقالة وما هنا بأنه فسخ لا عن سبب فلم يمكن رده بخلاف ما عن سبب فإنه إذا بان ما يبطله عمل به ثم قال أما إذا رضي به مسلوبها ولا ظن ما ذكر فإنه يرده عليه ولا يطالب المشتري بأجرة تلك المدة كما اقتضاه كلامهم هنا وفي نظائره إلخ ا هـ سم على حج .

                                                                                                                            ( قوله : فإن رضي به ) [ ص: 46 ] أي البائع في مسألة الإجارة ( قوله : بأجرة مثل تلك المدة ) ومحله حيث فسخ عالما أنه لا أجرة له ، أما لو رضي على ظن أنه له الأجرة فله رد الرد ، ومن ثم قال في العباب وشرحه : فإن رضي به البائع إلخ ( قوله : بأن الفسخ إلخ ) قضية هذا الفرق أنهما لو تقايلا وقد أجره المشتري مدة أن البائع لا يرجع على المشتري بالأجرة لأن الإقالة إنما تقع باختيارهما فليس الرد فيها قهريا ، لكن الذي صرح به الشارح فيما يأتي بعد قول المصنف ولو حدث عنده عيب سقط الرد قهرا أنه يرجع بها على المشتري ( قوله : وللزوج مندوحة ) وهي في البيع الامتناع من قبول العين قبل انقضاء الإجارة وفي الزوج عدم الطلاق ا هـ شيخنا الحلبي ( قوله : والثاني نعم ) هذا لا يصلح مقابلا لكلام المصنف لأن قوله لأنه استدرك الظلامة تعليل لعدم الأرش لا لاستحقاقه فلعل في كلامه سقطا .

                                                                                                                            ( قوله : فله الرد ) أي ولو طالت المدة جدا ما لم يحصل بالعبد مثلا ضعف يوجب نقص القيمة ( قوله : ومر أنه ضعيف ) تعليل ( قوله : عند من اشترى منه ) أي البائع الثاني ( قوله : وتسليم الأرش له ) أي البائع الثاني وهو المشتري من الأول ( قوله : رجع على بائعه ) أي الأول ( قوله بعد التسليم ) أي للأرش ( قوله : ربما لا يطالبه ) أي المشتري الثاني ( قوله : أنه إنما يستقيم ) [ ص: 47 ] أي قوله وعلله بأنه ربما إلخ ( قوله على الصحيح ) أي وتكون العلة فيه عدم اليأس من الرد لاستدراك الظلامة .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            . [ ص: 44 - 45 ] قوله : أو بعد نحو رهنه عند غير البائع ) التقييد بغير البائع إنما تظهر ثمرته في قول المصنف بعد : فإن عاد الملك فله الرد ; إذ مفهومه أنه إذا لم يعد الملك : أي أو نحوه كانفكاك الرهن ليس له الرد فكأنه يقول محل هذا إذا كان الرهن عند غير البائع وكذا يقال في قوله أو إجارته ولم يرض البائع بأخذه مؤجرا فلا أثر لهما بالنسبة لنفي الأرش ، إذ لا أرش سواء أكان الرهن عند غير البائع وهو ظاهر أو عند البائع ; لأنه متمكن من الرد في الحال ، وسواء رضي البائع [ ص: 46 ] بمؤجر مسلوب المنفعة لذلك أو لم يرض به ; لعدم اليأس من الرد فتأمل . ( قوله : لا يحصل إلا باختيار من ترد عليه العين بخلافه في مسألة التحالف ) : أي فإنه قد يكون باختياره كما إذا كان الفاسخ المتعاقدين ، وقد لا يكون باختياره كما إذا كان الفاسخ الحاكم . ( قوله : وللزوج مندوحة عن العين ) أي وهي أنه إذا لم يصبر إلى زوال الحق المتعلق بالصداق يرجع إلى بدله في الحال ، وانظر ما مندوحة البائع وما في حاشية الشيخ من بيان المندوحة في مسألة البائع ، والزوج يرجع إلى الفرق الأول الذي ذكره الشارح فهو غير مراده . ( قوله : والثاني نعم ; لأنه استدراك الظلامة ) هذا التعليل يقتضي عدم الأرش لا وجوبه ، فهو تعليل للأصح لا لمقابله ، وحاصل ما في كلام غيره أنهم اختلفوا في علة الأصح هل هي عدم اليأس من الرد وهو الصحيح أو استدراك الظلامة وهو ضعيف ، ويترتب على العلتين ما ذكره المصنف بعد فيما إذا عاد المبيع إلى المشتري بغير الرد بالعيب ، فإن قلنا بالتعليل الأول فله الرد ، وإن قلنا بالثاني فلا ، وكذا لو خرج عن ملكه بلا عوض ، فإن قلنا بالأول لم يرجع وإلا رجع ( قوله : لزوال كل من العلتين ) يعني علتي الأصح اللتين ذكرناهما وإن كان في ذكره لهما ما قدمناه . ( قوله : ومر أنه ضعيف ) يعلم ما فيه مما ذكرناه [ ص: 47 ] قوله : أجاب عنه الوالد رحمه الله تعالى بمنع حصول اليأس إلخ ) في هذا الجواب نظر ، وذلك ; لأنهم جعلوا نفس حدوث العيب عند المشتري بمنزلة اليأس من الرد فيستحق الأرش بمجرد حصوله كما سيأتي ، وقد أشار الإسنوي إلى ذلك بقوله ولا نظر إلخ ، وحينئذ فلا يتأتى هذا الجواب على أنه يلزم عليه اختياره أن العلة استدراك الظلامة فتأمل




                                                                                                                            الخدمات العلمية