الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ويشترط كونه ) أي المال المكفول بسببه ( مما يصح ضمانه ) فلا يصح ببدن مكاتب بالنجوم ولا ببدن من عليه زكاة على ما قاله الماوردي ، لكن خالفه الأذرعي فبحث صحتها إذا صح ضمانها في الذمة ( والمذهب ) ( صحتها ببدن ) كل من استحق حضوره مجلس الحكم عند الاستعداء عليه لحق آدمي كأجير وكفيل وقن آبق لمولاه وامرأة [ ص: 447 ] لمن يدعي نكاحها ليثبته أو لمن ثبت نكاحها ليسلمها له ، وكذا عكسه كما لا يخفى ، و ( من عليه عقوبة آدمي كقصاص وحد قذف ) وتعذير ; لأنه لحق لازم فأشبه المال مع أن الأول يدخله المال ولذا مثل بالمثالين ، وفي قول : لا تصح لأنها مبنية على الدرء فتقطع الذرائع المؤدية إلى توسيعها ( ومنعها في حدود الله تعالى ) وتعازيره كحد خمر وزنا وسرقة ; لأنا مأمورون بسترها والسعي في إسقاطها ما أمكن ، ومعنى تكفل الأنصاري بالغامدية بعد ثبوت زناها إلى أن تلد : أنه قام بمؤنها ومصالحها على حد { وكفلها زكريا } فلا يشكل بما ذكر هنا مع وجوب الاستيفاء فورا .

                                                                                                                            وشمل كلامه ما إذا تحتم استيفاء العقوبة وهو ما اقتضاه تعليلهم واعتمده الوالد رحمه الله تعالى خلافا لبعض المتأخرين .

                                                                                                                            والطريق الثاني قولان ثانيهما الصحة كحدود الآدميين ( وتصح ببدن صبي ومجنون ) لأنه قد يستحق إحضارهما ليشهد من لم يعرف اسمهما ونسبهما عليهما بنحو إتلاف ، ولا بد من إذن وليهما فيطالب بإحضارهما عند الحاجة ما بقي حجره عليهما .

                                                                                                                            أما السفيه فظاهر كلامهم اعتبار إذنه ، ومطالبته دون وليه لصحة إذنه فيما يتعلق بالبدن ، واستظهر الأذرعي اعتبار إذن وليه دونه ، قال : ومثله القن فيعتبر إذنه لا إذن سيده انتهى .

                                                                                                                            وإنما يظهر فيما [ ص: 448 ] لا يتوقف على السيد كإتلافه الثابت بالبينة ( ومحبوس ) بإذنه لتوقع خلاصه كما يصح ضمان معسر المال ( وغائب ) لذلك ولو فوق مسافة القصر ، وإن جهل مكانه كما دل عليه كلام الأنوار فيلزمه الحضور معه حيث عرف مكانه لإذنه السابق المقتضي لذلك فهو المورط لنفسه ، ومخالفة الإمام فيه مبنية على مرجوح ( وميت ليحضره فيشهد ) بضم أوله وفتح ثالثه ( على صورته ) لعدم العلم باسمه ونسبه ; إذ قد يحتاج إلى ذلك ، ومحله قبل دفنه لا بعده ، وإن لم يتغير ومع عدم النقل المحرم وأن لا يتغير في مدة الإحضار وإذن الولي في مثل هذه الأحوال لغو كما ذكره الأذرعي ويشترط إذن الوارث كما بحثه في المطلب : أي إن تأهل وإلا فوليه كناظر بيت المال ، ووافقه الإسنوي ، ثم بحث اشتراط إذن كل الورثة وتعقبه الأذرعي بأن كثيرين صوروا مسألة المتن بما لو كفله بإذنه في حياته ، ويمكن حمل الأول على ما إذا لم يأذن .

                                                                                                                            والأوجه أنه إن كان محجورا عليه عند موته اعتبر إذن الولي من ورثته فقط وإلا فكلهم ، فإن كان فيهم محجور عليه قام وليه مقامه .

                                                                                                                            أما من لا وارث له كذمي مات ولم يأذن فالأوجه عدم صحة كفالته .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : أي المال ) أي الذي عليه بصفة كونه دينا أو عنده وهو عين ( قوله : بالنجوم ) مفهومه أنه يصح ضمان بدنه بديون المعاملة التي للسيد على العبد المكاتب ، وفيه أن قياس ما قدمنا عن حج عند قول المصنف : وكونه لازما عدم صحة بدنه ( قوله : فبحث صحتها ) معتمد ( قوله : في الذمة ) تقييده بالذمة قد يخرج ما لو كان النصاب باقيا لتعلق حق المستحق بالعين ، وقد مر ما يؤخذ منه صحة ضمانها فالقياس صحة ضمان من هي لازمة له

                                                                                                                            ( قوله : وقن آبق ) ولو لم يأذن الآبق [ ص: 447 ] في ذلك على ما اقتضاه إطلاقه ، لكن قيده سم على حج بما لو أذن ، وسيأتي في كلام الشارح ما يشمله في قوله ومثله القن فيعتبر إذنه

                                                                                                                            ( قوله : وكذا عكسه ) وهو كفالة الزوج لامرأة ادعت نكاحه لتثبته أو تطلب النفقة والمهر إن كان نكاحه ثابتا ( قوله : ومن عليه ) عطف على كأجير ( قوله : يدخله المال ) أي حيث عفا عنه وليه

                                                                                                                            ( قوله : فتقطع ) أي تدفع ( قوله : الذرائع ) أي الوسائل

                                                                                                                            ( قوله : إلى توسيعها ) أي إلى توسيع الطرق المؤدية لاستيفائها

                                                                                                                            ( قوله : ومنعها ) أي وإن تكرر ذلك من المكفول وظهر عليه التساهل على الإقدام على المعصية وعدم المبالاة

                                                                                                                            ( قوله : إذا تحتم استيفاء العقوبة ) كقاطع الطريق

                                                                                                                            ( قوله : ومجنون ) أي سواء أطبق جنونه أو تقطع ، وعليه فلو أذن في زمن الإفاقة ثم جن هل يبطل إذنه أم لا ؟ فيه نظر ، والأقرب الثاني لأنه حيث أذن .

                                                                                                                            وهو صحيح العبارة اعتد به منه بناء على ما يأتي من أنه لو أذن في حياته ثم مات لم يحتج إلى إذن من الورثة ، ويحتمل أن يقال بالأول فيعتبر إذن الولي ; لأنه لا يجب عليه إحضاره إلا إذا أذن ، والأول أقرب

                                                                                                                            ( قوله : ما بقي حجره ) شمل قوله ما بقي حجره ما لو بلغ الصبي غير رشيد .

                                                                                                                            وقضية ما يأتي في السفيه أن الطلب متعلق به دون الولي ، وقد يقال لما سبق إذن الولي استصحب .

                                                                                                                            وعليه فيفرق بين الكفالة ببدنه بعد بلوغه سفيها وبين الكفالة به قبل بلوغه إذا بلغ كذلك ، وخرج بقوله ما بقي حجره ما لو بلغ الصبي رشيدا وأفاق المجنون فيتوجه الطلب عليهما وإن لم يسبق منهما إذن اكتفاء بإذن وليهما

                                                                                                                            ( قوله : أما السفيه ) قسيم الصبي والمجنون : أي سواء بلغ غير مصلح لدينه وماله واستمر الحجر عليه أو بلغ مصلحا لهما ثم فسق وبذر حجر عليه أولا

                                                                                                                            ( قوله : فظاهر كلامهم إلخ ) معتمد ( قوله : إذن وليه ) أي السفيه

                                                                                                                            ( قوله : دونه ) وحيث قلنا إن السفيه لا تصح كفالته إلا بإذن وليه فينبغي أن محله إذا ترتب على كفالته فوات مال أو اكتساب ا هـ سم على منهج

                                                                                                                            ( قوله : قال ومثله ) أي مثل السفيه بناء على ما اقتضاه كلامهم لا على ما بحثه الأذرعي فيه [ ص: 448 ] قوله : ومحبوس ) أي سواء حبس بحق أم لا خلافا لابن عبد الحق حيث قيد بالأول ، ويؤيده قول الشارح لتوقع خلاصه إلخ

                                                                                                                            ( قوله : وغائب لذلك ) أي لتوقع خلاصه : أي من الغيبة بأن يحضر

                                                                                                                            ( قوله : وإن جهل مكانه ) خلافا لحج ، وقد يوجه بأن فائدة الكفالة إحضار المكفول ولا يتأتى إلا إذا عرف مكانه ، ويرد بأنه لا يلزم من الجهل بمكانه وقت الكفالة استمرار ذلك ( قوله : فيلزمه الحضور معه ) أي سواء كان ببلد بها حاكم حال الكفالة أو بعدها طلب إحضاره بعد ثبوت الحق أو قبله للمخاصمة على المعتمد خلافا للزركشي وغيره ا هـ حج ( قوله : ومخالفة الإمام فيه ) أي في صحة كفالة من فوق مسافة القصر ( قوله : وميت ) : أي ولو كان عالما ووليا ونبيا ، ولا نظر لما يترتب على ذلك من المشقة في حضورهم في جانب الخروج من حقوق الآدميين

                                                                                                                            ( قوله : ومحله ) أي محل صحة كفالة الميت كما يصرح به كلام المحلي حيث قال عقب قول المصنف : وميت قبل دفنه ( قوله : قبل دفنه ) المراد بالدفن وضعه في القبر ، وإن لم يهل عليه التراب ، وينبغي أن مثل الوضع إدلاؤه في القبر .

                                                                                                                            ثم رأيت في سم على حج في العارية وعبارته : بل يتجه امتناع الرجوع : أي في العارية بمجرد إدلائه وإن لم يصل إلى أرض القبر لأن في عوده من هواء القبر بعد إدلائه إزراء به فتأمل

                                                                                                                            ( قوله : كما بحثه ) أي ابن الرفعة

                                                                                                                            ( قوله : إن تأهل ) أي بأن كان رشيدا ، أما غيره ولو سفيها فيعتبر إذن وليه على ما اقتضاه كلامه ، وعليه فيفرق بين الكفالة ببدن السفيه حيث يعتبر إذنه دون وليه وبين كفالة مورثه بأن الحق في كفالة المورث متعلق بغير السفيه وقد تكون المصلحة في عدم إحضاره وهو لا يعرفها

                                                                                                                            ( قوله : ثم بحث اشتراط إذن إلخ ) معتمد ( قوله : كل الورثة ) أي حيث لم يأذن في حياته لما يأتي من الحمل

                                                                                                                            ( قوله : من ورثته ) التقييد به يقتضي تخصيص الولي بالأب والجد دون الوصي والقيم إن كانا غير وارثين .

                                                                                                                            وعبارة شيخنا الزيادي : وحاصله أنه إن كان للميت ولي قبل موته اعتبر إذنه فقط لا إذن الورثة وإن لم يكن له ولي قبل موته اعتبر إذن جميع الورثة إن كانوا أهلا للإذن ، وإلا فإذن أوليائهم ، وهي تفيد أنه لا فرق في الولي بين الوصي وغيره ( قوله قام وليه ) ومحل الاعتداد بإذن الولي حيث لم يترتب على إحضاره نقل محترم ولا خيف تغيره كما سبق



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : أي المال المكفول بسببه ) عبارة التحفة : أي ما على المكفول انتهت .

                                                                                                                            فأخرج بذلك ما عنده من العين فتلخص أنه إن كفله بسبب عين عنده صح وإن كانت أمانة ، وإن كفله بسبب دين فلا بد أن يكون مما يصح ضمانه . ( قوله : كأجير وكفيل وقن إلخ ) صريح في أن الأجير والقن ممن استحق حضوره مجلس [ ص: 447 ] الحكم وليس كذلك ، وعبارة الروض : بمن لزمه إجابة إلى مجلس الحكم أو استحق إحضاره ، إلى أن قال : وببدن آبق وأجير فجعلهما معطوفين على الضابط . ( قوله : فلا يشكل بما ذكر هنا ) أي من منع الكفالة في حدوده تعالى ، وقوله : مع وجوب إلخ إشارة إلى دفع إشكال ثان يرد على قصة الغامدية وهو أن الحد يجب فيه الفور فلم أخر حدها ؟ والحاصل أن قصة الغامدية مشكلة من وجهين . ( قوله : ومثله القن ) فيه أمران : الأول : أنه ليس من كلام الأذرعي فإسناده إليه في غير محله . الثاني : أنه جعل ضد الشيء مثله مع أن إلحاق القن بالسفيه بحث لغير [ ص: 448 ] الأذرعي ، وعبارة التحفة : وبحث الأذرعي اشتراط إذن ولي السفيه ، وله احتمال بخلافه وهو الذي يظهر ترجيحه إلى أن قال : ثم رأيت غيره : أي غير الأذرعي قال : ومثله القن إلخ .

                                                                                                                            وعبارة الأذرعي : والظاهر أن المعتبر في كفالة بدن السفيه إذن وليه لا إذنه ويحتمل غيره انتهت .

                                                                                                                            ( قوله : كناظر بيت المال ) أي فيمن لا ولي له خاص




                                                                                                                            الخدمات العلمية